رئيس التحرير
عصام كامل

شاهد على انتخابات برلمان 2015 (3)


انتهينا في المقال السابق بمفاجأة معظم المرشحين بتعليمات جديدة لا تعترف بالتوكيلات التي صدرت من الشهر العقاري بالمحاكم ما لم تكن موقعة ومختومة من اللجنة العليا للانتخابات في كل محافظة، ما سبب ارتباك هؤلاء المرشحين، وسعى كل مرشح - حسب إمكانياته - في جمع التوكيلات العامة من المندوبين لاعتمادها من اللجنة العامة للانتخابات في المحافظة؛ ليتبين الجميع حجم الفوضى أمام موظف صغير في اللجنة يطلب أوراق وتوقيعات جديدة دون وجود مسئول من اللجنة العليا، وزحام كبير يظفر وكيل المرشح بعدها بختم التوكيلات العامة وهو في حالة إعياء كاملة، ثم يعيد المرشح توزيع تلك التوكيلات مرة أخرى على وكلائه بالمدن والقرى المختلفة في منتصف ليلة الانتخابات.


وهكذا بدأت عملية التصويت في اليوم الأول (الأحد) 22/11/2015 في أجواء غير مبشرة، واستكملت بالطريقة نفسها في اليوم الثاني (الإثنين)، وبما أنه لا يكون مستغربا ولا مستهجنا شراء رجال الأعمال لبعض النواب بالملايين، وتجاوزت الدعاية الانتخابية بضعة ملايين في كثير من الدوائر، ووصلت لعشرات الملايين في دوائر أخرى - حسب الملاءة المالية - وقدم بعض المرشحين رشاوى انتخابية لمؤسسات حكومية (مدارس ومعاهد أزهرية ومساجد) مثل ماكينات التصوير وكاميرات مراقبة وأجهزة حاسب وماكينات الكهرباء وغيرها (وكله بالمستندات)، بينما خيم صمت القبور على اللجنة العليا للانتخابات، في مواجهة تزوير مقدمات العملية الانتخابية، وبالتالي لم يعد تقديم الرشاوى الانتخابية على مرأى ومسمع من الجمهور أمرا طبيعيا أثناء العملية الانتخابية، وليس هناك مانع من دخول البلطجية وتجار الانتخابات على الخط لتقديم خدماتهم مدفوعة الأجر في غياب تام لمنظومة الرقابة.. ترى هل غاب هذا على أجهزة الدولة الأمنية والرقابية؟.. أم أنها كانت شريكة؟

وأثناء عملية التصويت، سجل أصحاب التوكيلات الخاصة والعامة ملاحظاتهم على تدخل موظفي الإدارات المحلية ورؤساء اللجان في توجيه الناخبين الأميين بصورة واضحة، سواء شفويا أو التأشير بالقلم، واعترضنا على ذلك في حينه، وكان رد رؤساء تلك اللجان أن هؤلاء الأميين من حقهم المساعدة لعدم درايتهم بالقراءة والكتابة والرموز، وهي قضية تستحق تقنينًا يعالج شراء أصوات تلك الفئة من المواطنين الذين لا يعنيهم من العملية الانتخابية سوى مردودها المادي على حياتهم المأزومة اقتصاديا طول الوقت، ويستفيد من ذلك طرفان هما المرشحون من ذوي النفوذ ورجال المال الفاسدين، ونظام الحكم الذي يرى في ضعف النواب وانتهازيتهم تطويع السلطة التشريعية لإرادة السلطة التنفيذية.

ومع أن القانون رقم 45 لسنة 2014 مادة 43، ينص على أن رئيس اللجنة الفرعية يجب أن يوقع على محضر الفرز، هو وأمين اللجنة وأعضاؤها ومندوبو مرشحي الفردي وممثلي القوائم، إلا أن هذا القانون لم يحترم في تلك العملية، فتم الفرز في غياب وتغييب نواب بعض المرشحين، الذين لم يوقعوا على كشوف الفرز (وهذا كله ثابت في محاضر الفرز)، بل لم يوافق معظم رؤساء اللجان على تسليم محاضر الفرز للمندوبين العامين، وبلغوا المندوبين بالنتائج النهائية شفويا فقط، ومن استلم محضر فرز استلمه بدون توقيع من نص القانون على حضورهم، فكيف يتفق هذا مع القانون؟.. ولماذا نطلق عليها انتخابات وفق القانون؟

عندما يدخل قاضٍ من أقارب أحد المرشحين من الدرجة الثانية إلى اللجنة العامة للانتخابات أثناء عملية الفرز قبل إعلان النتائج، ويفاجأ جميع المرشحين بأن هذا المرشح قد حصل على أصوات، لم يجدوا في كشوف الفرز ما يؤيدها، فليس ذلك من النزاهة ولا الشفافية في شيء.

يا سادة عندما يتم إعلان نتيجة المرحلة الأولى وإعلان أسماء المرشحين المنتقلين إلى مرحلة الإعادة دون إعلان نتيجة فرز أصوات المصريين العاملين في الخارج، سواء من قبل اللجنة العليا أو من قبل اللجنة الفرعية أو العامة، فليس هذا من الحيدة والنزاهة في شيء، وأقسم بالله أنني لا أعرف - حتى اليوم - كم عدد الأصوات التي حصلت عليها من أصوات المصريين العاملين في الخارج، ولا أعرف بالتالي كم صوت حصل عليها كل مرشح من المنافسين في الدائرة نفسها، فهل كانت تلك الأصوات من أسرار الأمن القومي التي لا يجب إطلاع المرشحين عليها حتى لا يعرفها أعداء الوطن؟.. وعندما تخرج البطاقة الدوارة الأصلية من لجنة من لجان الدائرة، وتقدم إلى المحكمة ولا يوجد رد، فهذا أمر يلقي بظلال الشك على العملية الانتخابية في تلك الدائرة، أليس كذلك؟

وعندما يمتنع المسئولون في اللجان العامة للانتخابات عن تحرير محاضر بالوقائع سواء في اللجنة الفرعية أو اللجان العامة، ومثال ذلك تظلم المرشح المستقل (عبد المطلب الحلو) عن دائرة سمنود، الذي قدم تظلمه إلى اللجنة العليا بطنطا مساء نفس يوم إعلان نتيجة المرحلة الأولى قبل الإعادة، فأمهلوه بعض الوقت، وظل المرشح ينتظر (مع مرافقيه) قرار السادة المستشارين في الغرفة المجاورة لمدة ثلاث ساعات، ليكتشف أن السادة المستشارين الذين أمهلوه لبعض الوقت انصرفوا للتو، فلحقهم وهم يدخلون المصعد.

وسألهم عن الرد على تظلمه وإعطائه ما يفيد، فرد عليه أحدهم بأن التظلم قد رُفض وأغلقوا باب المصعد في وجهه، ثم رفضت اللجنة بعد ذلك تسليمه ما يفيد بتقديم تظلم للجنة في الموعد المحدد للطعن أمام المحكمة الإدارية، فهل هذه هي العدالة؟.. وهل لهذا علاقة بالنزاهة والشفافية؟.. فإذا كان النظام السياسي يريد نوابا من رجال الأعمال وأصحاب الحظوة من الموالين، فقد كان الأوفر للدولة إما أن تفتح بورصة برلمانية للمضاربة على مقاعد البرلمان أو يطلب كشف حساب من البنك، ومن لديه أكبر رصيد في البنك يكون نائبا، ولكن ليس نائبا عن الشعب، بل نائبا للأعيان والموالي.

ألـم يكن هذا أوفر لميزانية الدولة (التي أهدر منها المليارات)، وأكرم للمواطن وأكثر احتراما لمقام السلطة التشريعية؟.. هذه شهادتي مِن موقع مَن رأى ورصد قبل أن يتكلم، ورغم كل ذلك أتمنى التوفيق لكل أعضاء البرلمان في أداء رسالتهم نحو هذا البلد، وأولها الرقابة الفعلية على أداء السلطة التنفيذية، وصياغة التشريعات التي تخدم بناء الدولة المدنية الديمقراطية، والله من وراء القصد.

darrag11@yahoo.com
الجريدة الرسمية