رئيس التحرير
عصام كامل

شاهد على انتخابات برلمان 2015 (2)


في المقال السابق تساءلت: هل أفادت هذه الإجراءات والعمليات في تشكيل برلمان يمثل الشعب كمقدمة لنظام سياسي جديد؟.. وهذا ما يستدعي تساؤلا آخر يحمل دلالة الاستنكار وهو: هل يمكن بناء نظام سياسي جديد على أنقاض نظام سياسي قديم وفق القواعد القديمة واقتفاءً لأثرها وسياساتها؟

وكيف يؤدي هذا البرلمان المشوه - من وجهة نظر المراقبين - دورا رقابيا حقيقيا أو يعمل على صياغة تشريعات تعيد تأسيس الدولة المصرية الجديدة على قيم ومبادئ تحارب الفساد والمحسوبية والطبقية، وتقاوم احتكار السلطة والثروة؟.. وهل ما تم في المرحلة الثانية يغير من بدايات المسار المعوج المتردد؟

إن ما حدث في المرحلة الثانية من الانتخابات، يكمل الصورة السلبية للتدخلات الفجة للأجهزة الأمنية في شأن تشكيل البرلمان وهندسة توجهاته، فبعد إعلان بداية إجراءات العملية الجديدة على القواعد السابقة، فوجئ المرشحون بأحد المحامين من غير ذي الصفة يرفع دعوى لإعادة الكشف الطبي مرة ثانية، وبمصروفات جديدة (2850 جنيها)، وتقبل من القضاء مخالفة القانون ونظر القضية من غير ذي صفة، وأصدر الحكم بسرعة تجعل فئران العالم تتوالد في الصدور، ومع افتضاح ملامح اللعبة غير السياسية أمام الجميع، دعاية انتخابية خارج العقل والقانون.. وشراء نواب.. وتحركات واجتماعات مشبوهة في مواقع حكومية، في هذه الأثناء أعربت لأساتذتي وزملائي المقربين عن عدم ثقتي في مقدمات العملية الانتخابية المهندسة سلفا، من قبل جهات ما في الدولة (اجتماعات وزارة الاستثمار والفنادق الكبرى)، تحت دعاوى منع دخول عناصر من الجماعات المتطرفة في البرلمان، وهي كلمة حق يراد بها باطل.

لأن الذين استبعدوا في المرة الأولى أو الثانية، كان استبعادهم وفق معايير أخرى غير موضوعية، أولها الكشف الطبي المكرر لتخرج قائمة صحوة مصر وبعض المستقلين، ومع ذلك فقد استقر الرأي أخيرا على أن أخوض التجربة وألا أنسحب من العملية الانتخابية مهما كانت الأسباب؛ احتراما لما قطعناه من وعود والتزامات أخلاقية وتقديرا لمن خولونا ثقتهم، فضلا عن مبدأ قطعته على نفسي بعدم التراجع ومواجهة الواقع لكشف عيوبه وسلبياته.

وبدأت المرحلة الثانية بمحافظات القاهرة والوجه البحري وشرق الدلتا في مطلع شهر سبتمبر، بإعادة التقدم إلى اللجنة العليا للانتخابات ولجانها العامة والفرعية، وقد استبعد مَن استبعد مرة ثانية؛ لأسباب غير مفهومة مثل تناول المخدرات ونقص المستندات التي سلمت من قبل للجان العامة للانتخابات، مع أن تجار ومتناولي المخدرات الفعليين ظلوا في مأمن من الاستبعاد!!!، وبقى في الساحة مَن بقي مِن المرشحين بعد التصفية الغريبة المريبة، وانتهت المرحلة الأولى في الجيزة ومحافظات الصعيد وغرب الدلتا بما في ذلك مرحلة الإعادة. 

ومع بداية المرحلة الثانية (في القاهرة والوجه البحري والمنطقة الشرقية) كانت تعليمات اللجنة العليا للانتخابات في استخراج التوكيلات العامة والخاصة لمندوبي المرشحين مجهلة ومشفرة، حتى بعد مرور أربعة أيام من فتح باب الترشح، وبعد اتصالات وأخذ ورد، كانت تعليمات اللجنة أن التوكيل العام يكون لشخص واحد ورفع قيمة التوكيل إلى أكثر من 45 جنيها للفرد، بعد أن كان عشرة جنيهات وتوكيل جماعي، وبحسبة بسيطة إذا كانت لجان الدائرة 150 لجنة فأنت في حاجة إلى نحو 200 توكيل على الأقل بين خاص وعام، وتصبح تكلفة التوكيلات وحدها للمرشح الواحد نحو عشرة آلاف جنيه، لتكتشف بعد ذلك أن هذه التوكيلات بلا فائدة، كيف؟.. هذا ما لاحظناه أثناء عمليتي التصويت والفرز.

فقبل بدء العملية الانتخابية بأقل من أربع وعشرين ساعة، فوجئ المرشحون بتعليمات جديدة بأن التوكيلات التي صدرت من الشهر العقاري بالمحاكم لا قيمة لها إذا لم تكن موقعة ومختومة من اللجنة العليا للانتخابات في المحافظة، وارتبك الجميع أمام التعليمات المفاجئة من لجنة لم تفاجأ بموعد المرحلة الثانية، ليسعى كل مرشح حسب إمكانياته، في جمع التوكيلات العامة من المندوبين لاعتمادها من اللجنة العامة في المحافظة ثم إعادة توزيعها مرة أخرى على وكلاء المرشحين في منتصف ليلة الانتخاب، ومن الطريف أن بعض المرشحين المنتمين للأحزاب التي دعمتها جهات أمنية، قد علموا بتلك التعليمات قبل المرشحين الآخرين من الكنترول، وكانت توكيلات مندوبيهم مختومة من اللجنة العليا واللجان العامة قبل عامة المرشحين بثلاثة أيام، فكيف تم تسريب الخبر لبعض المرشحين دون غيرهم؟.. أليس في هذا تمييز؟.. أم أن اللجنة العليا للانتخابات فوجئت بالتعليمات مثل المرشحين من أولاد البطة السوداء الذين علموا في الوقت الضائع؟

نستكمل الحديث في المقال القادم بإذن الله.
الجريدة الرسمية