رئيس التحرير
عصام كامل

سؤال عام 2015: من يقيس الرأي العام في مصر؟


المشهدان السياسي والإعلامي في مصر خلال عام 2015 هما الأكثر ارتباكًا، واهتزازًا، وهما يعكسان فراغًا لم تملؤه انتخابات البرلمان التي عانت من أزمة ثقة تصويتية، أعقبها الدعوة لائتلاف دعم الدولة أو دعم مصر، الذي جاء ليؤكد أن هناك حالة من الانفصال السياسي بين من يتصور أنه يقود المرحلة السياسية وبين المواطن في مصر.


فالائتلاف لم يقم بعد قياسات متعددة للرأي العام تدعو لوجود "اتحاد اشتراكي" أو "حزب وطنى" جديد، ولم يعط القائمون على الائتلاف أهمية للنقاش الإعلامي، ولا للأصوات التي تعبر عن قوى سياسية داخل البرلمان كانت تعترض على وجود "ائتلاف" ذي صوت واحد، رغم إمكانيات وشرعية التنسيق بين الكتل النياببية في البرلمان كما يحدث في دول عديدة، الحقيقة الواضحة أن "صناعة القرار السياسي في مصر" تتم وسط إهمال تام لمعرفة رأي الناس.

هناك تجاهل لقياس الرأي العام، على الرغم من تنوع مستويات قياسه، فهناك استطلاعات الرأي العام، وهي تمكن صنّاع القرار من التعرف بشكل سريع على رأي الناس حول بعض القضايا، ثم قياس اتجاهات الرأي العام ويهدف للتعرف على الآراء والدوافع الكامنة ورائها، ويعاب على هذا النوع من الدراسات البطء النسبي في إنجازه، ثم بحوث الرأي العام، والتي يمكن الاستناد إليها في التخطيط الإعلامي والسياسي.

ولعله من الصادم للقارئ أن يعرف أن دولة بحجم مصر لا تمتلك سوى ثلاثة مراكز لقياس الرأي العام، فلا توجد مراكز علمية للرأي العام معلنة سوى ثلاثة مراكز وهي: مركز بحوث الرأي العام بجامعة القاهرة، وقسم بحوث وقياسات الرأي العام بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، والمركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) وهو مركز مستقل – وفق تعريف المركز على موقعه على شبكة الإنترنت.

وعلى الصعيد الإعلامي، فإن غياب قياس الرأي العام حول القضايا الإعلامية المثارة، وحول الأداء الإعلامي، أعطى مساحة واسعة وفضافضة لمجموعة من الإعلاميين لاحتراف "صناعة التجريح"، ولإطلاق سلسلة من الكلمات والعبارات غير اللائقة، ووصلات من الشتائم والخروج عن جميع نصوص القيّم المتعارف عليها، بما دفع بعض الفضائيات إلى منع المدخلات التليفونية، رغم أنني لست مقتنعًا بأسلوب "المنع"، و"الحظر"، لأن الصوت الذي سيتم منعه من الظهور في قناة ما، يمكن أن يظهر في قناة أخرى أو يمتلك قناة خاصة ليقول فيها ما يشاء.

وبعيدًا عن المنتج السياسي الذي جاء بالبرلمان، والمنتج الإعلامي الذي نرى ملامحه ورائحته، فإن المحزن أن صنّاع القرار في مصر يتحدثون عن أهمية العلم ودوره في التقدم، بينما يبتعدون في الممارسة الفعلية عن العلم. فالمعروف أن قياس الرأي العام يساعد صانع القرار على تجنب التصادم مع الناس، واكتشاف الأزمات مبكرًا، وتجنب إصابة الناس بخيبة الأمل، في حين أن غياب قياس الرأي العام يؤدى إلى محاولات للتبرير أو التعويض.

ولأنني أتحدث عن القياس، فقس على ذلك العملية السياسية برمتها، غابت قياسات الرأي العام حول قانون الانتخابات، ودهست "شخصيات سياسية" النقاش المجتمعي ورؤية الأحزاب حوله، فعزف الناخبون عن النزول فلجأ البعض إلى التبرير "بالخوف على الرئيس"، أو محاولات التعويض على طريقة "فلننظر للنصف المملوء من الكوب"، فصارت نزاهة الانتخابات "نصرة من عند الله" تكفينا عن مجلس نواب بلا "سياسة".

* ويبدو السؤال هنا.. هل يجهل "صنّاع القرار في مصر" أهمية قياس الرأي العام؟
الإجابة عن السؤال هنا تتطلب تحديدًا لهوية صانع القرار السياسي في مصر، فهل يعرف أحد من الذي يصنع القرار السياسي في مصر.. وحتى إذا تجاوزت هذا السؤال مباشرة، واعتبرت أنني أعرف من يصنع القرار السياسي في مصر، فعندما لم يكترث "صنّاع القرار" بردود الأفعال حول قانون الانتخابات، ظننت أنهم كانوا يجهلون الحقيقة العلمية التي تقول إن الرأي العام يختلف في درجة العمق والقوة والثبات، وأنه كلما عظمت القضية وثقلت، كلما شكل الرأي وعيًا حول القضية المطروحة وتصرف بقوة لا تقل عن قوة القضية وثقلها.

ولكن بعد الدعوة لتشكيل ائتلاف دعم الدولة، الذي قالت مصادر إن الرئيس لا يدعمه، ثم تشكيله رغم الإشكاليات الكثيرة التي أثارها، ومنها مشروعية وجود أكثر من ولاء تحت قبة البرلمان، فإنني على يقين من أن صناع القرار السياسي في مصر، لا يكترثون برأي الناس، أو الرأي العام في مصر، على اعتبار –على طريقة التبرير– أن الناس هي من جاءت بهم إلى البرلمان، فالرأي العام في نظرهم هم الناخبون في دوائرهم.

الأمر نفسه تكرر مع القضايا الأكثر أولوية بالنسبة للشعب، فلا يوجد قياس للرأي العام حول القضايا الأكثر أهمية بالنسبة للشعب، وعما إذا كانت قناة السويس الجديدة، أو غيرها من المشروعات الجديدة الطموحة أكثر أهمية من قضايا التعليم، والصحة، والنقل والمواصلات، أو غيرها من القضايا التي تمس حياة المواطن اليومية.

يظن البعض –أيضًا– أنه يمكنه أن يتحكم في توجيه الرأي العام بما يصدر عنه من تصريحات، ناسيًا أو متناسيًا–أن دراسات الرأي العام تقول بأن الرأي العام يتحدد ويتكون وفقًا للأحداث، ولا يتكون ولا يتحدد استنادًا إلى التصريحات أو الأقوال.

ظن القائمون على صناع القرار أن الإعلام هو من أسقط الإخوان، وتصوروا أن إعلام الصوت الواحد سيحشد لهم الرأي العام في مصر، ولأنهم لم يتنبهوا أن الرأي العام في مصر تغير في زمن الإخوان، ليس فقط بسبب أقوالهم ولكن بسبب أفعالهم وأخطائهم، فاكتشفوا أن العقل الجمعي المصري أكثر نضجًا في السياسية ممن يظنون أنهم يديرون العملية السياسية.
الجريدة الرسمية