رئيس التحرير
عصام كامل

شاهد على انتخابات برلمان 2015 (1)


عندما تصبح كلمة الحق عملة صعبة يعز الحصول عليها في الجو الإعلامي المسموم، يصير الإفصاح عنها فرض عين على كل صاحب ضمير صادق، فليس من سمع كمن رأى، هنا يصبح الصمت عن قول الحق خيانة أمانة وطن يعيش فينا من المهد إلى اللحد، ولهذا فإن تلك الشهادة ليست موجهة ضد أشخاص بأعينهم، ولكنها موجهة ضد مؤسسات الانتفاع والمصالح الفئوية التي خلقت حالة تبلد وفساد وجهل، اخترقت النخاع الشوكي لمجتمع مرهق.


لقد انتهت العملية الانتخابية بشرها قبل خيرها، بعد عمليات قيصرية متتالية استغرقت ما يقرب من عامين، وارتطمت العمليات المتعددة في مراحل الإعداد لها بقواعد دستورية وقانونية وتجاهلتها، وفي نهاية المرحلة أدت هذه العمليات إلى وأد حلم تغيير المجتمع بطريقة إصلاحية عن طريق السلطة التشريعية؛ لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية قائمة على قواعد من العدالة والكفاءة والعلم وحفظ الكرامة الإنسانية، دولة ترفض الطبقية وتحارب الفساد بكل صوره الإدارية والمالية، وصار لدينا - بعد تلك التجربة المريرة - مولود مشوه غير قادر على مواجهة الظروف الداخلية والإقليمية والدولية، بل أضاف إليها مصاعب ومشاكل جديدة تستعصي على الحل، وتلك هي الصورة الحقيقية لمجتمع حاول تجميل القبح فازداد القبح توحشا، ولنا في الصراع الدائر بين نواب دعم الدولة (مصر) خير شاهد.

ومن المؤكد أنه – في ظل الغوغائية الإعلامية - سيطلق بعض المرجفين والمنافقين سهام التخوين والعمالة في كل اتجاه رأي مخالف لهم، ولكني أقسم بالله العظيم أنه لم يكن يعنيني خوض التجربة البرلمانية أو الكتابة عنها سوى إيماني بأحقية هذا البلد في التنمية والبناء على أسس موضوعية، وخوض التجربة عن قرب واحتكاك بالشارع، وأن أثبت بالدليل القاطع والعملي، أن بهذا البلد من ينتمي لتراب الوطن ولأحلام فقرائه، وينبذ الطبقية والظلم الاجتماعي وينحاز لمطالبهم المشروعة في حياة كريمة وفتح باب الأمل أمام الغيورين على هذا البلد للقيام بمهمة التغيير والبناء، أسوة بمعظم الدول التي سبقتنا كالصين والهند وماليزيا والبرازيل.. إلخ.

دخلت التجربة في مسقط رأسي، متسلحا بالعلم كأستاذ جامعي وشخصية عامة تتمتع بالمصداقية وتتحسس مواضع قدميها، في بيئة تحتاج إلى توعية، وهي مهمة صعبة يحدوني رغبة في التغيير إلى الأفضل وبرؤية واضحة تهدف للبناء على المستوى القومي بمشاريع أفكار منها محاربة الإرهاب فكريا، ومحو أمية الوعي وتطوير التعليم والصحة والنظافة والتشغيل بضخ دماء الإدارة الحديثة في مصانع الغزل والنسيج المتعطلة بفعل فاعل في المحلة الكبرى وسمنود وشبين الكوم وحلوان، وغيرها مع مجموعة من الشباب الحالم بغد أفضل.

وقد مرت تجربتي الانتخابية بمرحلتين، ابتدأت المرحلة الأولى بقوانين اعترضت عليها القوى السياسية ومعظم أصحاب الرأي، وبعد تأجيل غير مبرر باختراع جديد اسمه الكشف الطبي، الذي قدمه أحد كوادر الحزب الوطني المنحل إلى القضاء المصري، وتم حسم القضية بسرعة غريبة خلال ساعات معدودة، ليصبح الكشف الطبي سبوبة للتربح وامتيازات توجب المساءلة، وانتهت هذه المرحلة من العبث بالطعن في القوانين الثلاثة للانتخابات وإهدار الوقت وجزء من ميزانية الدولة في إجراءات وعمليات يبدو أنها مخططة سلفا، بدليل أن التغييرات التي أجرتها نفس اللجنة التشريعية التي أعدت القوانين في المرة الأولى وضربت بجميع الملاحظات الجوهرية عرض الحائط، فبقيت القائمة المطلقة المغلقة كما هي، واستكملت فصول المسرحية لتمهيد الطريق أمام عودة نواب المصالح في شكل انتخابي مموه تجلى في سوء تقدير وسوء نية الحكومة والمؤسسات التي شاركت في مطبخ تصنيع تشريعات العملية الانتخابية، التي اكتملت بالدور الغريب للجنة العليا للانتخابات.

أسفر ذلك عن كشف عدم جدية النظام السياسي الجديد في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وهو ما يفسر إحجام الشرائح الواعية من الشعب عن المشاركة في العملية الانتخابية، كما رأى الجميع في خلو بعض لجان الانتخابات البرلمانية من الناخبين.. فهل أفادت هذه الإجراءات والعمليات النظام السياسي الجديد؟.. وهل يمكن أن يؤدي هذا البرلمان المشوه دورا رقابيا حقيقيا أو يعمل على صياغة تشريعات تعيد تأسس الدولة المصرية الجديدة على قيم ومبادئ تقاوم الفساد والفوضى والمحسوبية والطبقية واحتكار السلطة والثروة؟.. وهل ما تم في المرحلة الثانية ساعد في تغيير المسار المعوج؟

هذا هو موضوع المقال القادم بإذن الله.
الجريدة الرسمية