رئيس التحرير
عصام كامل

اغتيال القنطار والحفاظ على عيون بشار


"لأجل عيونك يا بشار".. بهذا الشعار كان يهتز الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية ببيروت، عندما قرر حزب الله التدخل عسكريا في سوريا؛ لمساعدة بشار الأسد.

بشار الأسد شهد كغيره من المرتعشين، المبنى الذي ضربته إسرائيل بصاروخ موجه، أو بصاروخ من طائرة في العاصمة السورية.. الصاروخ الذي أوقع المبنى الذي يقع بمنطقة "جرمانا" في العاصمة السورية دمشق، أودى بحياة سمير القنطار عميد الأسرى اللبنانيين والقائد العسكري بحزب الله، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من المقاتلين من المؤيدين لبشار الأسد.

قد يكون من المضحك أو من الهزل أن تسأل: كيف سيرد بشار على انتهاكات إسرائيل؟، أقول إن السؤال هزلي؛ لأن بشار لا يرد، فالمصاب هو مصاب حزب الله، وحزب الله هو من يرد دائما بالإنابة عن بشار الأسد الذي لم يصدر حتى بيان للرد على انتهاكات إسرائيل.. فلا سمير القنطار ولا غير سمير القنطار يعنون بشار الأسد في شيء.

ليكن السؤال إذًا، كيف سيرد "حزب الله" على اغتيال سمير القنطار ومتى؟.. الإجابة التي اعتاد عليها حزب الله هو أن الحزب يحتفظ بطريقة الرد في المكان والزمان والطريقة التي يحددها الحزب.. والإجابة التي قالها الأمين العام لحزب الله، في كلمته منذ يومين، هو أن الحزب له الحق في أن يرد على اغتيال قائده سمير القنطار في المكان والزمان المناسبين وبالطريقة التي يراها مناسبة.

آخر رد لحزب الله على استهداف إسرائيل لقادته، كانت عملية "مزارع شبعا" في 28 يناير الماضي، التي استهدفت عددا من الآليات العسكرية.. حزب الله قال إنه قتل وأصاب جنودا من العدو الإسرائيلي.. عملية اغتيال سمير القنطار تشير إلى مجموعة من الحقائق:- أن إسرائيل لا تستهدف الجيش السوري أو داعش، وأن دخول حزب الله في الحرب في سوريا سهل على إسرائيل مهمة استهداف واغتيال قادة الحزب.

ولمن لا يعرف سمير القنطار، فسمير القنطار هو عميد الأسرى اللبنانيين في إسرائيل الذي مكث في سجون إسرائيل أكثر من 30 عاما، بعد أن اتهمته إسرائيل باختطاف وقتل جنود في عام 1979، وتم تحرير القنطار في صفقة تبادل بين أسرى لبنانيين وبين جثتين لجنديين إسرائيليين، لم تعرف إسرائيل بموتهما إلا وقت تسليمهما.
 
اغتيال القنطار يعيد طرح مجموعة من العناوين العريضة – على حد تعبير اللبنانيين – تتعلق بما أعلنه حزب الله وقت أن قرر أن يتدخل عسكريًا في سوريا، وبقدرة حزب الله على تغيير معادلة الصراع في سوريا، وبمكاسب إسرائيل من التواجد العسكري لحزب الله في سوريا.

عندما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، عن دخول الحزب على خط الصراع في سوريا، الذي بدأ بدفاعه عن منطقة القصير، قال إنه يتدخل لإيقاف داعش والتكفيريين عن التمدد، وأكد أن حزب الله يسعى للقضاء على التكفيريين في سوريا قبل أن يجتاحوا لبنان.. هكذا قال "نصر الله" عندما قرر حزب الله التدخل عسكريا في سوريا؛ لمساعدة نظام بشار الأسد.. الأمين العام لحزب الله تنبأ بقوة داعش، ولم يكترث أحد بنبوءة "نصر الله"، التي توسعت بعد أن تمكنت من ضم أو قتل المقاتلين في جبهة النصرة.

تنظيم داعش وجبهة النصرة تمددا، ولكنهما لم يصلا إلى لبنان، وصلا إلى جرود عرسال على الحدود السورية اللبنانية شمالا، وتمكن داعش من التمدد حتى أن بشار الأسد لم يكن يسيطر على أكثر من دمشق وريفها.. وبعيدا عن العمليات الإرهابية التي شهدتها الضاحية الجنوبية كثمن لتدخل حزب الله في سوريا، وراح ضحيتها أكثر من مائة لبناني، ورغم تدخل روسيا على خط الصراع، فإن حزب الله ومن بعده روسيا، لم يتمكنا من حسم الحرب في سوريا.

وعلى صعيد الصراع مع إسرائيل، فإن أكثر المتفائلين في قيادة إسرائيل لم يكن يتمنى أكثر من أن يدخل حزب الله في حرب استنزاف طويلة في سوريا، يرسل فيها قواته وقادته، حرب يموت فيها المئات من شبابه، وتصطاد إسرائيل فيها قادته.. بشار الأسد الذي ظهر على شاشة التليفزيون، في مفاجأة سعيدة للسوريين ليقول Surprise للسوريين الذين يحتفلون بأعياد الميلاد في إحدى الكنائس في دمشق، لم يطلق رصاصة على إسرائيل، ولا حتى بيان للرد على تكرار انتهاكات إسرائيل، التي تضرب في سوريا وقتما تحب وكيفما تحب.

إسرائيل اغتالت سمير القنطار في سوريا، فهل سيسمح بشار الأسد لحزب الله بأن يرد على إسرائيل من داخل سوريا وأن يفتح جبهة الجولان، أم سيطالبه بأن يأتي الرد من داخل لبنان؟.. وهل نسى بشار الأسد أن هضبة الجولان أرض سورية محتلة؟

على جانب آخر، إصرار بشار على البقاء في السلطة كرئيس لسوريا، يمنع حتى مؤيديه من طرح أسئلة محورية ومنطقية.

ففي ظل هذا الإصرار الذي يمكن أن يضحي بشار من أجله بجميع السوريين وغير السوريين من المعارضين والمؤيدين، هل يستطيع أحد من المؤمنين ببشار الأسد أن يقدم صورة أو سيناريو للنظام الذي يمكن أن يحكم سوريا إذا ما تم اغتيال بشار الأسد بصاروخ كالذي اغتال القنطار؟.. وهل يملك مؤيدو بشار الأسد اسمًا معروفا للناس، وذا ثقل سياسي يمكن أن يخلف بشار حتى إن كان من نظامه؟

الإجابة القاطعة على السؤالين هي النفي، لماذا؟.. لماذا لا يسأل مؤيدو بشار عن خليفته حال اغتياله؟.. الإجابة هي أن مجرد وجود "خليفة" لبشار الأسد هو كفر ببشار الأسد، فضلا عن أنه يمكن أن يفتح الباب عن إمكانية رحيله، فالحديث عن إمكانية وفاة بشار غير مقبولة لدى مؤيديه، حتى أنني صرت أصدق عبارة عادل إمام الشهيرة في مسرحية الزعيم عندما قالوا له "إن الزعيم مات يا زينهم فتسأل: هو فيه زعيم بيموت يا باشا؟!".

ليت بشار يبقى رئيسًا وينقذ سوريا والشعب السوري الذي أصبح لاجئًا في البر والبحر، لكنه أبى ويأبى أن يرحل وفشل في أن يحفظ بلده.. مؤيدو بشار يحبون سماع جملة أن "إسرائيل اغتالت سمير القنطار"، ثم يعقبونها بنقطة على السطر.. ولا يطيقون سماع العبارة نفسها وبجوارها أن ذلك تم على أرض سوريا، الذي يفترض الجميع أن لها رئيسا اسمه بشار الأسد.. مات القنطار من أجل عيون بشار، فمتى سيثبت بشار للقنطار أنه بالفعل "أسد"؟
الجريدة الرسمية