رئيس التحرير
عصام كامل

أيام ما كان الروس مُسلمين!


من ضمن الأسئلة التي لا تجد مَن يطرحها في أيامنا الصعبة هذه، وبالتالي فلا يُجيب عنها أحد: هل دخل الإسلام مصر قبل الغزو العثماني أم بعده، يعنى بطريقة أخرى، هل أدخل العثمانيون (الأتراك يعنى) الإسلام إلى مصر، أم دخلوها وكانت بالفعل بلدًا مُسلمًا؟!


بالتأكيد الإجابة معروفة، ولا تحتاج ثقافة، "ولا فكاكة"، ولا عقلية تاريخية غير مسبوقة الوصف ولا التصنيف، لذا فعلينا الانتقال للتالي، وهو ماذا فعل العثمانيون في مصر بخلاف ما فعله الفرنسيون والإنجليز وكُل مَن احتل هذه الأرض؟ أبدًا، نفس جرائم الاحتلال المعروفة عبر التاريخ، قتل وسلب ونهب وظُلم، إذن ما علاقة الإسلام بالموضوع؟ "برضو سؤال مش عاوز فكاكة، انظلم كالعادة، زي ماهو مظلوم مثلًا اليومين دول بمسميات الدولة الإسلامية، والإخوان المُسلمين، والجماعة الإسلامية، وكُلها كيانات إرهابية وضيعة، تُسيئ للدين وتُضيف على كأهله مزيدًا من الأعباء والتشويه الذي لا يستحقه"!

و"قبل ما نسيب النُقطة الماضية، سيقول قائل إن الأتراك بنوا مش عارف شارع إيه، أو مسجد إيه، أو بيت مش فاهم مين، حبيبي ما الفرنسيين كانوا وراء شق قناة السويس وإنت عارف إزاي، والإنجليز عملوا السكَّة الحديد؛ فلو كانت هذه أفضال ـ في نظرك ـ تدفعنا للتغاضى عن جرائم الاحتلال، وعن مُصيبة الاحتلال ذاتها، وبالتالي نحِب الاحتلال ونقول عليه جميل، ويا سلام لو يرجَع لينا تاني وإحنا نشيله في عينينا، فأنت في مُشكلة حقيقية يلزمها طبيب أمراض مستعصية"!

"باختصار عاوزين نقول إن ياريت مينضحكش علينا في السياسة باسم الدين، وباختصار أكثر فكُل اللي بينضحك عليهم بهذه الطريقة حتى يومنا هذا، وبعد كُل ما عايشناه وشوفناه وعانينا منه خصوصًا مُنذ بداية ثورة يناير وحتى اليوم، فهُم خلق ملهُمش أمخاخ، لكنهم يستعيضون عنها بأعضاء تانية لا داعي لذكرها، وهي بالمُناسبة لا تصُلح للتفكير السليم"!

 "وللتدليل على هذا الأمر، وعلى سيرة الناس اللى محموقة جدًا، وبتعيب على الناس اللي بتؤيد روسيا و(بوتين) ـ أصدقاء مصر بالمُناسبة ـ ضد تركيا والمخبول بتاعها، عدو مصر بالمُناسبة، وبتقول إزاي تساندوا كافر ضد مُسلم"، والحقيقة لا أعرف تحديدًا علاقة الإسلام بدعم الإرهاب والتفجير والتهجير والحرب الأهلية كما يحدُث من جانب الأتراك الطيبين في دعمهم لداعش ومُجرميها، ودعمهم لإسرائيل (أكبر تبادُل تُجارى في التاريخ يتم بين الدولتين الحبيبتين الآن تحت حُكم الخليفة المُسلم المخبول)، وفتحهم الأراضي التُركية على البحرى للقواعد الأمريكية، وغزوهم الأخير لمناطق في العراق، هو العراق كافر راخر واللا إيه؟! فأي إسلام هذا الذي تتحلى به التصرفات التركية، في مواجهة أي كُفر من جانب الروس؟! وماذا علينا أن نفعل أو نقول بعد أن نعود للتاريخ قليلًا قبل أن نتحدَّث عن التجارة بالإسلام؟!

بالمُناسبة وقبل القصة أو الواقعة التاريخية المُثبتة، مُعدَّل التبادُل التُجاري بين تُركيا وإسرائيل تنامى بنسبة 25% خلال العامين الأخيرين (عاما الهجوم على مصر باسم الإسلام)، وهذا وفقًا لتصريحات (شاى كوهين) القنصل العام الإسرائيلي في إسطنبول، والتي نشرتها صحيفة (ميللي جازته) التُركية، "مش صحيفة (معاريف) الإسرائيلية، ولا (الأهرام) المصرية"، أما عن القواعد الأمريكية فحدِّث ولا حرج، فهي تملأ أرض ومياه تُركيا، ومن ضمنها قاعدة اسمها (بيرنكيك)، كُل الناس فاكرة إن في تُركيا قاعدة واحدة اسمها أنجريليك كونها الأشهر والتي يستخدمها حلف الناتو المُقاد بأمريكا ومعها دول غير مُسلمة (على سيرة التجارة بالإسلام)، هذه القاعدة (بيرنكيك) تم استخدامها لخلع الشاه (محمد رضا بهلوى) شاه إيران في نهاية السبعينيات، يعني السلاح الأمريكي على الأرض التُركية موجه لمُسلمين، ولم يتم استخدامها أبدًا ضد إسرائيل مثلًا!

عندما قامت نهضة مصر على أيدي (محمد علي) الذي بنى لبلاده جيشًا وطنيًا عظيمًا، استطاع أن يحمي وطنه، بل ويمتد نفوذه لفتوحات واسعة وصلت حتى مشارف العاصمة التُركية؛ ليتحوَّل المصريون إلى غازٍ بعدما استسلموا لدور الضحية على مدى ثلاثة قرون للاحتلال العثماني، أسرعت روسيا لنجدة السُلطان العثماني المُستغيث، والذي طلب بإلحاح مُساعدة جيرانه الروس من أجل صَد الخطر المصري عن عاصمته، فأين كانت دعاوى الإسلام حينئذٍ حينما استعان السُلطان بغير المُسلمين لنصرته على المُسلمين، "واللا الروس كانوا وقتها مُسلمين عكس الآن"؟!

أكرر قبل استئناف الوقائع التاريخية المعروفة، الحكاية لا تمُت للأديان بصلة، هي في البداية والنهاية مصالح دول، وألعاب سياسية بغاية تُبرر الوسيلة، تمامًا كما يحدُث الآن، "يعنى بالبلدي موضوع الدين دة مطية لخداع المُغفلين والمُتحمسين والجهلاء ليس إلا"!
المُهم أن السُلطان (محمود الثاني) سُلطان تركيا لجأ للروس وارتمى في أحضانهم، وتحت أقدامهم، فما كان من (نيكولاس الأول) قيصر روسيا إلا إرسال قواته البحرية إلى البسفور لحماية تُركيا من مصر، "يعنى كان على مصر أن تُحارب الروس"، خاصةً بعد أن حاربت بالفعل أشهر القادة العسكريين الألمان في القرن التاسع عشر وهو القائد (فون مولتكه الكبير) الذي كان على رأس الجيش العُثماني ومعه ألف جُندي ألماني، وانهزم أمام جيش (محمد علي) الذي كان تحت قيادة ابنه (إبراهيم) في موقعة (نزيب) المُسماة أيضًا بموقعة (نصيبين) 1839م.. فأين كان الإسلام وقت الاستعانة بالألمان والروس لمُحاربة المصريين؟!

وتم وقتها إبرام اتفاقية شهيرة وهي اتفاقية (كوتاهية)، المُهم أن روسيا بعد أن أسرعت لنجدة السُلطان العثماني ومد يد العون له، عملت فرنسا وإنجلترا على الضغط على (محمد علي) لتسوية خلافاته مع تركيا، فقط من أجل إبعاد النفوذ الروسي عن تركيا والبحر الأسود والمتوسط، ومن جهتها قامت تركيا "بعد ما شمَّت نفسها بالمُساعدة الروسية بالبلدى كدة" بالتحرُّك لاسترجاع سورية وإقليم أدنة من قبضة المصريين، فدارت معركة (نصيبين) المذكورة بعاليه، سنة 1839، التي انتصرت فيها مصر.

وعلى الرغم من أن الأتراك كانوا البادئين بنقض الاتفاقية، والهجوم على المصريين ما أجبر جيش (محمد علي) على الرَد في (نصيبين) وتحقيق الانتصار، إلا أن الإنجليز أجبروا الجميع على إبرام مُعاهدة لندن 1840، والتي حصُلت مصر بمقتضاها على استقلال صوري، جاء مُقيّدًا بالسيادة العثمانية، ودفع الجزية السنوية للباب العالي، واعتبار الجيش المصري، المُنتصر، جُزءًا من قوات السلطنة العثمانية، المهزومة، وأعادت مصر لحدودها الأصلية، وحرمتها من حُكم الجزيرة العربية، وسورية، وكريت، وإقليم أدنة، "يعنى استقلال على ورق، استقلال بلاستيك"!

أي أن إنجلترا وحلفاءها الأوربيين سلَّموا مصر لتركيا مُجددًا، لا حُبًا في تُركيا، ولكن لتحجيم مصر ومنع حصولها على الاستقلال التام النهائي، الذي يكُفل لها، بجانب النهضة الاقتصادية والتفوق الحربي، امتلاك المزيد من القوة والتفوُّق الدولي.

"يعني باختصار شديد، محدَّش قال صلوا على رسول الله، وبلاش ندخَّل الغريب بيننا، وإزاي نجيب غير المُسلم علشان يقاتل المُسلمين لصالح الإسلام، أو لصالح السُلطة والمطامع، بالبلدي كدة لم يكُن هناك أي اعتبار للدين، والحكاية كُلها سياسة في سياسة، ولو كان للدين هذا الاعتبار، ياريت يكون له فعلًا، لما كانت تُركيا دولة علمانية ـ حتى الآن، ترفع رايات البغاء والميسر والدعارة، وتُدافع عن حقوق الشواذ، وتعقد اتفاقيات التوءمة مع إسرائيل، ولا نقول إن روسيا تحمي الإسلام أو تخاف عليه طبعًا بالمُناسبة، لكن بنقول إن اللعبة بعيدة تمامًا عن الأديان واعتباراتها، ومَن يرغب في دَس الدين في الموضوع، فياريت يكون باستمرار، أو بلاش خالص، مش نستخدمه ـ أحيانًا ـ كفزَّاعة، أو كشمَّاعة، أو كواجهة سياسية لامعة وبرَّاقة، وربنا يهدى الجميع، وحمد الله على سلامة وصول حضرتك من بداية المقال حتى نهايته، ونأسف على الإطالة"!
الجريدة الرسمية