رئيس التحرير
عصام كامل

في لبنان.. عايزين رئيس!


في الأسبوع الماضي كتبت مقالًا بعنوان "لبنان بين الحل وتلغيم التحالفات السياسية"، وتحدثت عن الشائعات التي تقول بوجود مبادرة من سعد الحريري، رئيس تيار المستقبل والعنصر الحاسم في فريق 14 آذار، الذي يضم حزب الكتائب، وحزب القوات اللبنانية.

مبادرة سعد الحريري تقترح ترشيح سليمان فرنجية رئيس تيار المردة رئيسًا، وهو المحسوب على فريق 8 آذار، الذي يضم حزب الله، وحركة أمل، والتيار الوطني الحر وزعيمه الروحي ميشيل عون، على أن يأتي سعد الحريري رئيسًا للوزراء.

وقلت في المقال: إن حزب الله يقبل بسليمان فرنجية رئيسًا، ويبصم بالعشرة عليه، لكنه لن يستطيع إعلان ذلك؛ لأن حليفه ومرشحه للرئاسة هو ميشيل عون.. المبادرة لم تكن شائعة بل حقيقة تحرك على أساسها سليمان فرنجية.

ولكن ما حدث لسليمان فرنجية كان دراميًا.. فالمتابع للتاريخ السياسي في لبنان يعرف أن سمير جعجع، خصم سليمان والمرشح السابق والحالي لرئاسة الجمهورية، قام بقتل أسرة سليمان فرنجية في بيت والده؛ حيث قامت القوات اللبنانية بقتل والد سليمان فرنجية "طوني فرنجية"، وزوجته وابنته (أخت سليمان) في أيام الحرب الأهلية، فيما يعرف باسم "مذبحة إهدن" في 13 يونيو 1978، ولم ينجُ من المذبحة سوى سليمان فرنجية الذي كان في بيت جده.. وبالرغم ذلك عندما لاح كرسي الرئاسة لسليمان فرنجية، قال في رده على سؤال عن تصالحه مع سمير جعجع، إنه إذا جاء على كرسي الرئاسة فهو سيتعامل مع جميع السياسيين بما فيهم سمير جعجع.

لم يتوقف الأمر على الموافقة على أن يسامح سليمان فرنجية من قتل أبيه وأمه وأخته، فحزب الله ضحى بسليمان فرنجية - أيضًا - معنويًا وقلبه ينفطر حسرة، فالحزب ترك سليمان فرنجية يذهب بمفرده ليخطب ود الجنرال ميشيل عون، الذي لم يكن حتى في استقباله على باب منزله كما هي العادة حين يستقبل ضيوفه، وخرج سليمان فرنجية من اللقاء الذي لم يدم 45 دقيقة مكفهرا صامتًا، بعدها التقى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بسليمان فرنجية وشرح له أن ما حدث ليس تخليا عنه، وأنهم يقدرونه كطرف رئيسي في فريق 8 آذار وكداعم أساسي للمقاومة، وكانت حجة حزب الله أن مبادرة سعد الحريري تثير تساؤل واستغراب الحزب من انفراد فريق 14 آذار بالحق في تسمية الرئيس في كل مرة، ففريق 14 آذار هو الذي اقترح اسم أمين الجميل رئيس حزب الكتائب، ومن قبله بطرس حرب، ثم ترشيح سمير جعجع رسميًا.

حجة حزب الله تبدو وجيهة ودبلوماسية، لكنها في الحقيقة تهدف لامتصاص غضب فرنجية؛ حيث كان يمكن للحزب أن يرسل رسائل لحليفه فرنجية تقول له إن عون لن يوافق على التنازل عن حلمه في الرئاسة، وأن يقول له إن شكل فريق 8 آذار سيبدو كما لو كان المعطل لموضوع الرئاسة، لو ظهر سليمان فرنجية في الصورة، وأنه من الأفضل لسليمان فرنجية أن يبدو متسقًا مع فريق 8 آذار، الذي يقوده حزب الله، والتيار الوطني الحر.. وأن يحذو حذو نبيه بري، رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل، الذي لا يمضغ ميشيل عون ولا يشربه ويجد صعوبة بالغة في بلعه، تصيبه أحيانا بعسر هضم، فتتوتر العلاقة بين الطرفين، فنبيه بري يفضل سليمان فرنجية على عون، ولكنه سيقبل بعون في النهاية كرئيس؛ لأن حزب الله يرغب في ذلك.

مبادرة سعد الحريري كانت - كما قلت - ضربة لعصفورين بحجر واحد، فإن وافق ميشيل عون على أن يتنازل عن حلمه في الرئاسة لسليمان فرنجية، سيكون الحريري وقتها تخلص من ميشيل عون، وإن رفض ميشيل عون، فرسالة سعد الحريري للبنانيين هي أن فريق 8 آذار هو من يرغب في شغور منصب الرئيس، فالواقع يقول إن فريق 8 آذار لم يرشح مرشحًا في مجلس النواب أو يقدم مبادرة ما.. فهو لا يقبل بمرشحين من 14 آذار، ولا بمرشح من 8 آذار يراه فريق 14 آذار أكثر توافقيا من ميشيل عون.

التقارير تقول إن سعد الحريري ما زال متمسكا بمبادرته، بعد أن عرف أن سمير جعجع، وبطرس حرب، وأمين الجميل أصبحوا أوراقا محروقة.

وقد يظن البعض، أن تصريحات الرئيس السيسي عن استقرار لبنان وعن أهمية تحقيق التوافق الوطني اللازم لاختيار رئيس للبنان، تشير إلى أن هناك حوارا ما دار حول ملف الرئاسة اللبنانية حين استقبل الرئيس السيسي البطريرك اللبناني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة، ولكن الواضح أن مصر لا تستطيع لعب أي دور سياسي في هذا الملف، حتى إن ادعت وزارة الخارجية غير ذلك، فالمتابع للسياسة في لبنان يعرف أن مصر تؤيد فريق 14 آذار الذي لا يمكنه أن يحظى بكرسي رئيس الوزراء وكرسي رئيس الجمهورية.. ولكن لماذا لا يمكن لمصر أن تلعب دورا حيويًا في ملف الرئاسة في لبنان؟.. ولماذا تؤيد فريق 14 آذار؟

لأن كرة الرئاسة في لبنان ليست في ملعب فريق 14 آذار.. أما تأييد مصر لفريق 14 آذار فيأتي لأسباب متعددة، منها أنه الفريق الذي ينادي بسيادة الدولة وبضرورة تسليم سلاح المقاومة، ومنها أنه الفريق الذي تدعمه السعودية، ومنها ما يتعلق باتهام حزب الله وحماس باقتحام السجون في 28 يناير.

ولكن ما الذي يمكن أن يدفع اللبنانيين إلى التوافق على رئيس؟.. الإجابة – للأسف – أن تحدث كارثة، كأن يتم خطف الرئاسة، فالرئيس الأسبق إميل لحود جاء إلى الرئاسة عندما كانت لبنان كلها مخطوفة لصالح سوريا، الذي قاتل ميشيل عون الذي كان يتحصن بقصر الرئاسة؛ لأن عون وقتها كان ضد التدخل السوري في لبنان، وبعد سنوات تم انتخاب إميل لحود رئيسا للجمهورية، عندما كانت سوريا تحتل لبنان.

أو كارثة كالتي حدثت في 7 مايو (أيار) 2008، عندما أصدر فؤاد السنيورة رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك، قرارين بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة لحزب الله، وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير، وكان القرار بالنسبة لحزب الله بمثابة إعلان حرب، وطالب الحكومة بسحب القرارين فرفض فؤاد السنيورة، فسيطر حزب الله على بيروت ودارت اشتباكات، بعدها أراد السنيورة توريط الجيش فقال إن القرارين في عهدة الجيش، غير أن قائد الجيش ميشيل سليمان طالب الحكومة بسحب القرارين، بعدها هرول الجميع بعدما عرضت قطر استضافة حوار بين الأطراف السياسية، انتهى بالتوافق على انتخاب قائد الجيش ميشيل سليمان رئيسًا للجمهورية، الذي ما لبث أن مال إلى فريق 14 آذار قرب نهاية فترة رئاسته.. وللسبب نفسه لا يرغب فريق 8 آذار في تكرار تجربة "ميشيل سليمان" مرة أخرى، الذي وصفه فريق 8 آذار بأنه طعنهم في الظهر.

ومع انسداد كل الطرق المؤدية إلى قصر الرئاسة في لبنان، يبقى الخوف من الكارثة هو العامل الوحيد القادر على دفع اللبنانيين لانتخاب رئيس، الخوف ممن؟

من الحرب الأهلية التي كلما ظهر شبحها هرول اللبنانيون وقبلهم السياسيون.. أما الحراك السياسي اللبناني، كحركات "بدنا نحاسب، وطلعت ريحتكم"، وغيرها من الحركات الموجودة في الشارع أو التي ستظهر، فليس لها دور، ولا تستطيع أن تكتب كلمة في ملف الرئاسة اللبنانية، فالشارع اللبناني لا وجود له في في الملفات السياسية.. الملفات السياسية ملك وحكر على الزعماء السياسيين.. وحتى لا نظلم اللبنانيين وزعماءهم، فهم أفضل من غيرهم من الدول العربية، فاللبنايون لديهم مساحة شاسعة من "طق الحنك" لا تتوفر لغيرهم من الشعوب.

حفل تزويج الرئاسة اللبنانية سيظل مؤجلًا إلى ما لا نهاية في ظل رفض أبي العروسة، وقلة حيلة العريس "بس تروح لبنان.. خطيفة" - على حد تعبير اللبنانيين، وقتها سيجد الزعماء دولة ما لتزويج الرئاسة من الرئيس.
الجريدة الرسمية