رئيس التحرير
عصام كامل

الشورى والديمقراطية


الشورى في الإسلام أساس وركن ونهج، وليست نظاما.. فهي كما قال القاضي ابن عطية الأندلسي: "والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام"، فهي من القواعد العامة والأحكام الأساسية، لكن تنظيمها متروك للاجتهاد والتجربة والتكيف مع الظروف والأحوال.. لقد وضع الإسلام الأسس والمبادئ العامة للنظام السياسي، لكنه لم يضع لنا نظاما سياسيا معينا أو محددا (الريسوني في كتابه: الفكر الإسلامي وقضايانا السياسية المعاصرة).. ترك للبشر أن يجتهدوا في ذلك ما وسعهم الاجتهاد، وأن يأخذوا من تجارب الأمم والشعوب ما يناسبهم ويحقق العدل والمساواة بينهم.. فالعدل هو من أعظم المقاصد التي يبتغاها الإسلام، لدرجة أن رجلا كابن تيمية أثر عنه قوله: "إن الدولة العادلة تبقى وإن كانت كافرة، وإن الدولة الظالمة تفنى وإن كانت مسلمة"..


والمتأمل في آيات التنزيل العزيز يجد للشورى مكانة عظيمة ومنزلة كبيرة.. انظر إلى قوله جل وعلا: "وأمرهم شورى بينهم" (الشورى: ٣٨)، وقوله تعالى: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" (آل عمران: ١٥٩).. تأمل معي أيها القارئ الكريم، هذا الارتباط المعجز بين الرحمة بالمؤمنين، والعفو عنهم، والاستغفار لهم، وأمر الله تعالى لرسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) أن يستشيرهم، وألا يبرم أمرا دونهم.. هي رسالة وأمر إلى الحكام والمسئولين بألا يستأثروا بقرار هو حق من حقوق الأمة، بل عليهم أن يستشيروها ويأخذوا رأيها لما فيه المصلحة العامة.. فإذا وجد المسلمون في أي نظام حكم - كالديمقراطية مثلا - ما يحقق لهم مقاصد هذه الشورى، فلا بأس من أن يأخذوا به، طالما أنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وطالما أنه لا يصطدم بأي قاعدة من قواعد الشرع..

وتتصور الجماعات الإسلامية، أن الديمقراطية في المجتمعات الغربية تعمل في فضاء واسع من الحرية، وأن هذا الفضاء لا حدود ولا نهاية له.. والحرية بهذا المعنى لا تضع قيودا على أفكار الشعوب ولا على ممارساتها، أي لها أن تفعل ما يحلو لها بغض النظر عما إذا كانت هذه الأفعال لا تستقيم مع المنطق ولا تتفق مع العقل السليم ولا تستسيغها الفطرة السوية، ومن ثم فليس لديها مانع أو حرج في الإساءة والاستهانة بالمقدسات التي جاءت بها الأديان.. ليس هذا فقط، وإنما لكل إنسان الحق في أن يتعرى وأن يمارس الشذوذ وكل أنواع الانحراف..

والحقيقة أن الحرية المطلقة - بهذا الشكل - ليست موجودة في كل مجتمعات الغرب، وإنما لكل مجتمع ضوابطه وقيوده بالنسبة للحرية التي يمارسها، وذلك تبعا لخصوصيته الثقافية.. وبالتالي لنا أن نقول إن مساحة الحرية في أمريكا، غيرها في بريطانيا، غيرها في السويد، وهكذا.. بل نقول إنه في الدولة الواحدة سوف نجد فارقا في مساحة الحرية بين شمال الدولة وجنوبها، وبين ريفها وحضرها..

من ثم عندما نتكلم عن الديمقراطية، يجب أن نحدد ابتداء عن أي مجتمع نتحدث، عن مصر، أم الكويت، أم المملكة العربية السعودية، أم لبنان، أم الهند، أم باكستان؟.. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يتصور عاقل - في دولة كمصر - أن مجلس النواب يمكن أن يشرع أو يسن قانونا فيه مخالفة واضحة وصريحة للشريعة الإسلامية، كأن يبيح الشذوذ، أو يسمح بالعري أو التبذل أو أي شكل من أشكال الانحراف؟، وهل يمكن أن يقبل الشعب بذلك؟.. بالتأكيد لا.

إنه مما لا شك فيه أن الديمقراطية إذا ما تم تطبيقها بشفافية ونزاهة، سوف تحقق العدالة التي ينشدها الإسلام.. فإذا كانت الديمقراطية سوف تحقق لنا المساواة الكاملة بين البشر أمام القانون، فبها ونعمت.. وإذا كانت تمنحنا الفرص المتساوية في الترشح لأي منصب كان، فأهلا بها وسهلا.. وإذا كانت تجعل من الإرادة الحرة للشعب مصدرا للسلطة، سواء كانت في شكل رئيس، أو نواب، أو برامج تعبر عن الطموحات والأشواق، فهو المطلوب.. وإذا كانت تمنح الشعب ونوابه الفرصة في مساءلة الرئيس أو أجهزة الحكم التنفيذية، فهو المراد.

وإذا كانت تكفل للشعب حرية التعبير والنقد والحركة والتنقل والسفر والتملك والاجتماع، فهو المأمول.. وإذا كانت تعطي لأفراد الشعب الحق في تشكيل أحزاب تنافس على السلطة، وتمارس دورها في الارتقاء والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع، فهو ما يحض عليه الإسلام.. وإذا كانت تتيح لأفراد الشعب الحق في تكوين جمعيات في أي مجال أو ميدان لخدمة المجتمع ونموه وازدهاره، فهو عين العقل والصواب.
الجريدة الرسمية