رئيس التحرير
عصام كامل

التناقضات


تحيط بنا التناقضات من كل مكان حولنا.. حتى داخلنا المعقد جدا لدرجة التناقض، فمن منا لا يحمل بداخله هذا الكم الهائل من التناقضات الفظيعة، فمع الحب لدرجة العشق للديمقراطية نجد أننا نتأفف من أي نقد يوجه إلينا، ولو كان نقدا بنَّاءً قد يضيف إلى معارفنا الجديد ويجعلنا نطور من أدائنا في أعمالنا.. وها نحن نحتفي بالشرف والأمانة ونباهي الآخر بهما، وعند أول اختبار لقضاء حوائجنا في أي جهة حكومية أو غير حكومية نمضي الأيام السابقة لهذا العمل نفكر ونبحث عن واسطة، حتى تحمل عنا عناء هذا العمل، أو قد نبحث عن هذه الواسطة حتى نقتنص ما ليس لنا في الأساس، وكم تكون سعادتنا حينما تنقضي مصالحنا بتلك الطرق الملتوية، ونظل نحكي لأيام عن بطولاتنا في إنجاز ما تم إنجازه بكل فخر، مع أنه بالأساس عمل غير أخلاقي بالمرة.


يملأنا التناقض حينما نطالب الآخرين بالصدق وقول الحق بينما نحن نكذب.. يملأنا التناقض حينما نطالب الآخرين بالرحمة واللين في تعاملاتهم ونحن لا نرحم.. يملأنا التناقض حينما نودع عزيزا علينا إلى مثواه الأخير، ثم نعود إلى حياتنا بسيئاتها وفواحشها ولا نكترث لما رأيناه من مشهد مهيب لدفن هذا العزيز الغالي.. يملأنا التناقض حين نحب الحياة حبا جنونيا وندخن السيجارة ونشرب من المشروبات ما يضرنا ويعجل بنهاية حياتنا.. يملأنا التناقض حين نعلم أطفالنا الكلام ثم نطالبهم بالسكوت في كل المواقف.. يملأنا التناقض حين نحب الشتاء وعندما يأتي نستنجد بالصيف من برده.

يملأنا التناقض أحيانا وأحيانا وأحيانا، حتى صارت تلك التناقضات هي ما يشكل تصرفاتنا كلها، وكدنا نكون كتلة متحركة من التناقضات الحية، ولكن هل كل هذه التناقضات خبيثة؟.. لا أعتقد ذلك، فنحن من نذنب ثم نتوب ونرجع، ونحن أيضا من نقسو ثم ينفطر القلب حنينا ولينا بعد ذلك، ونحن من نبخل ثم نجود بالغالي والنفيس، نحن الجانب المظلم ونحن أيضا الجانب المضيء.. نحن المعجزة التي نبهنا إليها الدكتور مصطفى محمود، حينما قال مقولته الشهيرة: «إن الإنسان هو معجزة التناقضات».

الجريدة الرسمية