رئيس التحرير
عصام كامل

أصول الدعاء


منذ فترة مازحت بعض الأصدقاء بأنني أترقب قائمة "كتب حلال" تصدرها داعش، تُخرجنا بها من الكفر إلى الإيمان الذي فصّلوه على مقاسات أدمغتهم الفارغة.


الله في علاه انزعج يومًا من النبي موسى؛ لأنه نهر راعيًا يدعوه على طريقته، ببساطة الرعيان، لا زخرفة لغوية، لا سجعا ولا ترصيعًا، وقف رافعًا يديه إلى السماء مخاطبًا: يا الله أنا أحبك وسأغسل لك رجليك وسأذبح لك خروفًا وسأطبخ لك الأرز المقلي بلية الخروف، سمع موسى ذلك فنهر الراعي وكفّره، ماذا تفعل؟.. أنت تكفر، أنا أدعو الله، أجاب الراعي، الله لا يدعى بهذه الطريقة، إذًا علمني كيف يُدعى، سأل الراعي، فعلمه وفق ما يعرف وهو كثير.‏

تركه وانصرف، وبعد قليل تجلى الله على موسى وسأله: كيف تنهر شخصًا يدعوني بما يعرف، رد: ما يدعوك به كفر، قال الله: إنه كفر حلو.‏

تتمة القصة - التي تجرى على لسان شمس التبريزي في «قواعد العشق الأربعون» للروائية التركية أليف شافاق - أن موسى علّم الراعي «أصول الدعاء» فامتثل الأخير، غير أنه عاد بعد أن نهره الخالق، لكن الراعي كان قد تعلم الطريقة الجديدة، ولم يعد قادرًا على العودة إلى الفطرة.‏

قطعان الهمج، بهذا العبث، المابعد بعد بعد بعد التخلف، تُفسد الفطرة في دواخل البشر، تفسدها بالإكراه والقسر على القيام بشعائر ما أنزل الله بها من سلطان.. اندفاعها في التخلف يجفف منابع الباطن.. لا تريد داخلًا ثرًا وغنيًا وحرًا.‏

الفهم يستعصي على قطيع البغدادي، القطيع معني بالطقس والشعائر، لا يسأل عن الحب أين يقبع.‏

الدواعش الجدد، لهم أسلافهم في التاريخ القريب والبعيد.. «شوساكو إندو» الروائي الياباني المُقدّر عالميا، استلهم روايته «الصمت» من تاريخ أسود عاشه معتنقو المسيحية اليابانيون في القرن السابع عشر، إبّان ازدهار بعثات التبشير البرتغالية فيها..‏ قرأت فيها أن من «وسائل محاكم التفتيش اليابانية إجبار المتنصرين من اليابانيين على أن يدوسوا بأقدامهم لوحة برونزية تحمل صور المسيح والعذراء مريم».

القس «فييرا» أحد المبشرين البرتغاليين، بينما كان ينشر تعاليم المسيحية المحظورة في السر والخفاء، أُلقي القبض عليه، وتحت لهيب سياط حاكم ناجازاكي ارتدّ عن دينه واعتنق البوذية.

دوائر الإرهاب مغلقة ولا تقبل القسمة على اثنين، فقد دفعت مرحلة الاضطهاد (عام 1616) إلى قطع علاقات اليابان التجارية مع العالم الخارجي.. لكن!

دوام الحال من الحال، بقي المسيحيون اليابانيون يسقون دينهم في الخفاء، يمارسون تعبدهم السري في غفلة عن العيون المراقبة.. ولاحقًا في عام 1873، رُفع الحظر.. «هيديوشي» أو أبو بكر البغدادي الياباني، فعل ما بوسعه لانتزاع اليقين الجديد من الأفئدة، لكن هذه آثرت بقائه دافقًا فبقي.‏

الخليفة البغدادي فضح الله سره، يريد استزراع دين جديد في القلوب عنوة.. يطرد الموظفات المسيحيات من الدوائر الحكومية في الموصل، ويجبر الرجال على الذهاب إلى المساجد، ويؤسس "كتيبة الخنساء للمهام الخاصة"؛ لإجبار النساء على النقاب.. بعضهم يذكِّر عنوة بأوجه الشبه بين بهائم الأمس واليوم.‏
الجريدة الرسمية