رئيس التحرير
عصام كامل

الجرس في رقبة (أبو الفتوح)!


تعجبني الإرادة القوية التي يملكها المُرشَّح السابق (أبو الفتوح)، الذي كان على وشك الجلوس على مقعد رئاسة مصر في زمن هزلي أصبح فيه المنصب الرفيع هدفًا قريبًا لناس زي المذكور و(مرسي) و(المشعل) و(خالد أبو صوتين مالهومش تالت) و(سعد الصغير)، لدرجة أن واحدا منهم صار رئيسًا بالفعل؛ لكي تكتمل المهزلة التاريخية والسياسية في البلد المسكين!


ورغم فشل المُرشَّح البرتقالي في الانتخابات، بعد اعتماده على سياسة شفتي بتاكُلني أنا في عرضَك، خليها تسلِّم على خدَّك، وهي السياسة التي غازل بها التيارات الإسلامية والمدنية والثورية على حدٍ سواء، فتمرَّد على الإخوان، وهاجمهم، وصالحهم، وهاجمهم تاني على طريقة (أم كلثوم)، وفعل نفس الشيء مع غيرهم، فخسر الجِلد والسَقط، ومع ذلك استمر بالعضمتين إللي اتبقوا له من تحت جلده وسقطه المفقودين بعد ذلك، باحثًا عن أي دور مؤثر في الحياة السياسية المصرية، وهذا سر إعجابي بإرادته القوية مش الطرية زي الحزب إياه!

والجميل أن أخانا (أبو الفتوح) ظل مُتمسّكًا بلعب أي دور في الحياة السياسية، رغم أنه لا هو نفسه، ولا الأنظمة المُتعاقبة، ولا الشعب، ولا حزبه نفسه، شايفين أي وجاهة لآرائه المُهترئة، أو لثقافته السياسية أو الاجتماعية الفقيدة، وإنما كُل ما يحمله من فكر سياسي لا يتغيَّر ولا يتبدَّل أبدًا عبر تصريحاته المحفوظة طوال السنين الماضية، لدرجة أن الاسم الأنسب له صار أبو الفقوس!

فهو يُنادي طوال الوقت بالعفو عن الإخوان المُجرمين من أهله وحبايبه ومُجتمعه وناسه، وإجراء انتخابات رئاسية مُبكرة نزيهة ضرورية ديمقراطية، يُشترَط فيها أن يفوز بمقعد الرئاسة خلالها رئيس إخواني لون خلفيته لا مؤاخذة برتقالي، فصار التوصيف الوحيد للدور الأوحد الذي يلعبه هو أنه أراجوز، يُكرر ذات الفقرة بنفس التظرُّف في كُل عرض بتكرار مُمل، لدرجة أنه لم يعُد قادرًا على إضحاك الناس عليه، ولا حتى جلب شفقتهم تجاهه!

وفي أي هيصة هتلاقي (أبو الفتوح) بيهيص وبيهلل، لو حملة من إياهم تلاقيه بيشارك على تويتر، لو مُظاهرة تلاقيه بيشارك، استنى بيشارك فين، اوعى تفهم غلط، بيشارك على تويتر طبعًا، أومال يعني هينزل الشارع في الشمس والهوا بعيد الشَر؟.. أومال تويتر عملوه ليه؟.. وأهي سبوبة، اكتب واقبض، وهتتصل بيك الجماعة من سي إن إن، وبي بي سي، والأناضول، والجزيرة، صرَّح واقبض، المعايش صعبة، وحتى لو كانت سهلة، فالبحر يحب الزيادة!

وإن كانت السياسة مزيجًا من الخداع، والرذيلة، والذكاء، والدهاء، والمؤامرات، والمبادئ، والرقص، والقذارة أحيانًا، ويختلف السياسي عن الآخر في مقدار ما يستخدمه من هذه العناصر أو غيرها في مُعادلة يصنعها بنفسه ليسلك بها طريقه في ذلك العالم العجيب الخالي من الثوابت الدائمة، إلا أن (أبو الفتوح) لم يختَر لنفسه إلا عنصرين اثنين من كُل هذا، وهُما تمسُّكه الدائم بالرقص على السلم، فلا إللي فوق شافوه ولا شافهم ولا قعد على كُرسي حُكم أو وزارة أو مجلس نيابي، ولا إللي تحت سمعوه، ولا اختاروه ولا انتخبوه، وإن كانوا دايمًا بيلعنوه وبيلعنوا سلسفيله!

أما العُنصر الثاني فهو القذارة، والتخلي عن أي ثوابت أو مبادئ أو التزامات تجاه الوطن أو مصالحه العُليا، وطالما كانت مصلحة (أبو الفتوح) وجماعته مُتناقضة مع مصلحة الوطن، أو اختيار الشعب، ففي داهية الوطن وشعبه، مُقابل أن تحيا الجماعة وأذيالها ورءوسها وأفخاذها، وحتى لو كان الثمن هو تحدي الشعب نفسه ورفض اختياره، لاسيما بعد قيامه بثورة يونيو التي وصفها صاحبنا بالانقلاب رغم أنه كان معاها في الأول، بس ماكانش يعرف أنها هاتقلب بغَم وتمنح الشلوط الأخير (رصاصة الرحمة أو سمِها خازوق الرحمة) لجماعة الإخوان الإرهابية وكُل التيارات الإسلامية النصَّابة المُتخذة من الدين ستارًا لسفالتها وانحطاطها وفشلها، ولما أدرك ذلك، ولقي الموضوع جَد، تراجع سريعًا ووصف اختيار الشعب الذي خرج بالملايين وبأضعاف أعداد المُشاركين في ثورة يناير، وصف هذا الاختيار بأنه انقلاب، وكأنه أصيب بالعمى الحيثي، أو كأن الجيش كان ملبِّس جنوده وضباطه إللي عددهم طبعًا بالملايين أزياء مدنية، وصوَّرهم على أشكال شباب وعواجيز ونساء وأطفال رُضَّع كمان!

والعجيب في كُل ذلك - رغم إعجابي بما سبق الإشارة إليه من مُسببات الإعجاب - هو أن أحدًا لم يعُد يُصدِّق هيصة (أبو الفتوح)، مثلما لم يعُد أحد يُصدِّق تماحيك (البرادعي)، أو تخاريف (القرضاوي)، ولا هرتلة (أيمن نور)، لكن المُشكلة في إحساس قد يكون قد تسرَّب إليه - ماتفهمش إزاي مُمكن يكون عنده إحساس - في أنه مؤثر، أو صاحب قرار، أو حتى رأي راجح أو منطقي، أو أنه مُمكن يهزّ رقبته فالجرس المربوط فيها يضرب، قوم الثورة تقوم، على طريقة جرس الثورة ضرب ضرب، رغم أن الثورة بطبيعتها محتاجة لعنصرين، أولهما أساسي ضروري، والثاني مُمكن التجاوز عنه!

أما ذلك الثاني، فهو وجود مُلهم أو داعٍ أو رمز للثورة، فأي ثورة محتاجة لقائد وليس قوّادا، أما العنصر الأول والحتمي والضروري - غير مُمكن الاستغناء عنه - فهو أن الثورة لازم يقوم بيها شعب، أو على الأقل ملايين من الشعب، هل دي إضافة عظيمة على طريقة متعودة دايمًا؟.. أكيد طبعًا لاسيما أن البعض يعتقد أن تلات أربع أنفار من بتوع مصر الطرية وتويتر مُمكن يعملوها ماتفهمش إزاي، رغم أنهم حتى لو فكَّروا فمش هينزلوا شارع ولا ميدان، وهيكتفوا بالنعيق على تويتر زي (أبو الفتوح) و(البرادعي)!

وفي النهاية، علينا التوجُّه بالشُكر للقائمين على موقع تويتر لسعة صدرهم، وتكبير دماغهم، وسماحهم بتحويل التغريدات المُفترضة في الموقع إلى نعيق ونهيق للمذكورين ومَن على ذات الشاكلة!
الجريدة الرسمية