رئيس التحرير
عصام كامل

وزارة داخلية تحاسب ولا تعالج


من المؤسف أن تحدث تجاوزات من رجال الشرطة، ضباطًا كانوا أو أفرادا، وهم المسئولون عن حماية المواطنين من التجاوزات، ومن "المفجع" أن تتحول التجاوزات إلى حالات قتل.. وكالعادة يصدر تصريح أو بيان من المسئولين كوزير الداخلية، يقول فيه إن وزارة الداخلية ترفض التجاوزات شكلًا وموضوعًا.


ومع تعدد التجاوزات، أدلى اللواء أبو بكر عبد الكريم بتصريح لبرنامج "كلام جرايد"، الذي يذاع على قناة "العاصمة"، الذي قال فيه – وأنا هنا أنقل معظم النص المذاع – "إن هناك تفاوتا في المستوى الفكري والثقافي قد ينجم أو يتسبب في أن البعض يرتكب بعض التجاوزات، وقد تصل إلى حد توصيفها بأنها جريمة تضع صاحبها تحت طائلة القانون، وهنا الوزارة تتعامل مع هذه المواقف بكل شفافية وبكل وضوح، وتؤكد على أن الوزارة لا تحمي أي شخص أو أي أحد من رجال الشرطة يتجاوز القانون ويخالف القانون ويرتكب أعمالا من شأنها أنها تخل بالعلاقة بين وزارة الداخلية والمواطنين".. هذا جُل ما قاله مساعد وزير الداخلية لشئون العلاقات العامة والإعلام.. التصريح واضح وجلي، ويعبر عن سياسة وزارة الداخلية.

الصوت الهادئ والرصين لمساعد وزير الداخلية، يفيد بشكل واضح، بأنه وضع يده على "سبب المشكلة"، وهي أن هناك تفاوتا في المستوى الفكري والثقافي بين ضباط أو أفراد الشرطة، بينما يبدو واضحًا أنه ليس لديه حل لهذه المشكلة.

الواضح أن مساعد وزير الداخلية لشئون العلاقات العامة والإعلام، يرى أن الحل الوحيد هو محاسبة المخطئ، وأن الوزارة لن تتستر على أي خطأ.. لكن المنسي أو المتغاضى عنه في موضوع "تعذيب مواطنين أو قتلهم على أيدي ضباط"، هو أن سياسة وزارة الداخلية يجب أن تكون مثل وزارة الصحة التي تسعى لتجنب حدوث المرض، وخاصة وإذا كان الداء أو المرض معروفا، وأن ظهور حالات متعددة للمرض يجب أن يشكل جرس إنذار عن مدى خطورته، فهو لا يُفقِد المواطنين الثقة في جهاز الشرطة فقط، ولكنه قد يؤدي لغضب شعبي ومسيرات مثل التي حدثت في الأقصر.

تعليمات وزارة الداخلية بحسن معاملة المواطنين لن تقضي على "تسلط بعض أفراد جهاز الشرطة والتجاوز في استخدام سلطاتهم".. الحقيقة أن إيقاف المخطئين وتحويلهم للتحقيق الإداري أو حتى الجنائي جزء من الحل، ولكنه لن يصحح التفاوت الفكري والثقافي بين أفراد جهاز الشرطة.. الحل في أن تقوم وزارة الداخلية بعقد دورات تدريبية لضباط وأفراد الشرطة، وأن يكون هناك تقييم فعلي للضباط على أساس اجتياز هذه الدورات، بل اختبارات نفسية معقدة للتأكد من أن الضابط لديه ثبات انفعالي وقدرة على ضبط النفس.

ولعله من الأفضل أن يرتبط نجاح الضابط في هذه الدورات بمكافآت مالية بشكل ينعكس على راتبه.. البعض قد يستغرب من اقتراحي بربط اجتياز هذه الدورات والاختبارات النفسية بزيادة الراتب أو مكافأة الضابط، ولكن هذا الاستغراب قد يزول عندما نعرف أن هناك بعض الضباط لا يرغبون في التواجد في مواقع يتعاملون فيها مع المواطنين بشكل مباشر، رغم أنهم يحسنون التعامل مع المواطنين، ولعله من المعروف أن البعض من الضباط يسعون إلى العمل في إدارات مثل مباحث الكهرباء، أو مصلحة الجوازات، أو في قطاع تأمين السياحة.

أهمية هذه الدورات التدريبية ودورها في زيادة "دافعية الإنجاز" لدى الضابط أثار فضولي، فوددت أن أتعرف على ما تقدمه وزارة الداخلية لأفراد الشرطة وضباطها من دورات تدريبية؛ للتعرف عما إذا كان موقع الوزارة على الإنترنت يتضمن نوعية الدورات التدريبية المرتبطة بالتعامل مع المواطنين، فوجدت أن الموقع بنسختيه العربية والإنجليزية لا يعمل، بينما يعمل موقع مصلحة الأحوال المدنية.. ولأنني أعرف أن الدول الديمقراطية التي "تحاول" احترام مواطنيها لا بد أن تقدم مثل هذه الدورات، فكان من السهل أن أجد على موقع "إدارة العدل" Department of Justice في الولايات المتحدة الأمريكية، مجموعة من الدورات التي تقدمها "إدارة العدل"؛ لتطوير الأداء الشرطي وخاصة فيما يتعلق بالتعامل مع المواطنين.

وقبل الدخول في تفاصيل هذه الدورات، فإن موقع "الخدمات الشرطية الموجهة للمجتمع" Community Oriented Policing Services، التابع "لإدارة العدل"، يقدم 13 دورة تدريبية لضباط الشرطة، من بينها الدورة التدريبية الخاصة "بالتدريب على التكامل الأخلاقي" Ethics and Integrity Training، وتتضمن هذه الدورة التدريبية 4 دورات فرعية، الدورة الأولى بعنوان "الأخلاقيات الفردية للضابط"، ويسعى البرنامج في هذه الدورة إلى وضع الضباط في سيناريوهات للتعامل مع الناس تشبه المواقف التي يتعرض لها، وما يواجهه في الحياة الحقيقية، مع استخدام تقنية الفيديو وتقنيات تفاعلية.

الدورة الثانية بعنوان "تعزيز العدالة والنزاهة الشرطية" Promoting Fair and Impartial Policing Training، وتبدو أهداف هذه الدورة واضحة من عنوانها؛ حيث تسعى إلى:

توضيح كيف يؤثر تحيز الضابط على فهمه ورؤيته للأحداث، ومن ثم على أفعاله، كما تهدف الدورة إلى التأكيد على أن العدالة الشرطية تؤدي إلى خدمة شرطية فعالة.

ومن بين الدورات المهمة، التي ترتبط بالتجاوزات التي تحدث في مصر، "برنامج تعليمي خاص بالانضباط الشرطي" Education-Based Discipline Program، ويسعى هذا البرنامج إلى التأكيد على مبدأ المحاسبة لتقليل احتمالات تكرار التجاوزات، كما يركز البرنامج الذي يتخذ طابعًا تعليميًا على أسلوب المشكلة - والحل، وإدارة النفس، وتطوير المهارات، ووضع ضوابط خاصة بالاعتزاز بالنفس، وزيادة الوعي بالنتائج السلبية لسوء استخدام السلطة.

لا أعرف إذا كانت وزارة الداخلية توفر هذه الدورات أم لا، فموقع الوزارة على الإنترنت لا يعمل، وقد يقول قائل ردًا عليَّ: "يا عم عندنا وموش ضروري تكون على الإنترنت".. أعرف أن هناك وزارات تقدم دورات لتأهيل وتطوير العاملين بها، وأعرف أيضًا أن هناك من يذهب لهذه الدورات التدريبية لتضييع وقته، بينما يجب أن تكون هذه الدورات والاختبارات النفسية هي العلاج لقضية "التفاوت الفكري والثقافي" الذي أشار إليه اللواء أبو بكر عبد الكريم. ويجب أن تكون مثل هذه الدورات والاختبارات النفسية من بين المعايير الرئيسية لتقييم الضابط واستمراره في موقعه، وخاصة فيما يتعلق بالضباط الذين يتعاملون مع المواطنين.

الحقيقة التي قد يرددها البعض، أن التجاوزات موجودة في كل مكان، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يذهب البعض إلى الاستغراب؛ لكوننا نعلم عن حادث إطلاق ضابط ذي بشرة بيضاء الرصاص على شاب أمريكي أسود البشرة مما أدى لمقتله، بالرغم من أن الشاب كان قد استسلم، وأنه لم يكن هناك ضرورة لإطلاق النار عليه، للدلالة على التجاوز الذي يحدث في الشرطة بالولايات المتحدة الأمريكية، لكن الحادث الفردي الذي قام به ضابط قامت له أمريكا عندما حدث منذ عام، وقامت له أمريكا مرة أخرى عندما وافقت قاضية التحقيق على بث شريط يوضح أن الضابط تعمد إطلاق النار على الشاب لقتله.

القول الفصل في قضية تجاوزات ضباط الشرطة هو ما أشار إليه الإعلامي إبراهيم عيسى، إلى أنه ليس صحيحا أن كل من يدخل أقسام الشرطة يتعرض للضرب والإيذاء، ولكن الصحيح أن كل فرد من أفراد الشعب المصري يخاف عندما يضطر إلى الذهاب إلى قسم الشرطة من أن يتعرض للضرب أو الإيذاء، بما فيهم العبد لله كاتب هذا المقال.

يتبقى أن نخاطب ضباط الشرطة بما هو أهم من الدورات التدريبية، فإذا كان البعض من رجال الشرطة قد استحلوا قدرتهم على الناس، فلعلهم يتذكرون قدرة الله عليهم، وليتهم يتذكرون أيضا حديث رسول الله (عليه الصلاة والسلام) بأن "البر لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، ابن آدم اصنع ما شئت فكما تدين تدان".
الجريدة الرسمية