رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

من ربّى أفعى لدغته


هل الغرب جاد فعلا في محاربة الإرهاب؟ أشك في ذلك كثيرا.. ولو أنه كان جادا لاتخذ كل السبل التي تمكنه من ذلك، خاصة أنه يملك من الوسائل الكثير، لكنه لأسباب متعددة لا يفعل.. بعد قليل من النظر والتأمل، يكتشف الإنسان أن العرب ليسوا وحدهم الذين لا يتعلمون، لكن الغرب أيضا -رغم تقدمه العلمى والتقنى- لا يتعلم.. كذلك، ليس العرب وحدهم الذين توجد لديهم ثغرات يستغلها ويستثمرها الإرهابيون في الإيقاع بضحايا وجرحى ومصابين، لكن الغرب أيضا به مثل هذه الثغرات، وربما بصورة أشد.. إذ لولا وجود ثغرات قاتلة لدى الأجهزة الأمنية الفرنسية، ما استطاع الإرهابيون النفاذ منها والقيام بالهجمات الإرهابية التي وقعت يوم الجمعة ١٣ نوفمبر..


ولو أننا دققنا النظر لوجدنا هذا الوضع في دول كثيرة، لا نستثنى منها أحدا.. حقا-كما يقول المثل عندنا-"لا تعايرنى ولا أعايرك، ده الهم طايلنى وطايلك"..وبالتالى لا يجب علينا نحن المصريين أن نشق جيوبنا ونلطم خدودنا، لأن حدثا أو أحداثا وقعت على أرضنا ولم نستطع أن نمنعها، أو أن نقلل من شدتها وحدتها، فكلنا- كما يقال- في الهم شرق.. لكن علينا ألا نستسلم لإهمالنا وقصورنا، وأن نبذل الجهد لسد أوجه عجزنا وفشلنا..

إن من المعروف بداهة حتى لدى البسطاء من الناس أن "من ربى أفعى لدغته"، لكن الانتهازية والنظرة الاستعمارية والاستغلالية التي يتميز بها الغرب تعميه في أحوال كثيرة عن إدراك الحقائق البسيطة والبديهية.. من الذي ربى واحتضن فصائل الإرهاب؟ ومن الذي أمدها ودعمها وساندها؟ إنه الغرب.. وقد فعل ذلك لكى يستخدمها في تحقيق أهدافه وأطماعه خارج أرضه، لكن، كما نقول في أمثالنا، "ليس في كل مرة تسلم الجرة".. أليس هو المسئول عن ظهور "داعش"؟ بلى.. لقد كبرت الأفعى.. ظن الغرب أنه قادر على السيطرة عليها وتوجيهها، وأن هذا النمو والتوحش الذي بدا عليها هو في صالحه، لكنها - في لحظة فارقة - غافلته ولدغته..

من المعلومات التي كشفت عنها الهجمات الإرهابية في باريس، أن الألوف من الإرهابيين معروفون جيدا لدى الأجهزة الأمنية.. والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف استطاعت مجموعة من هؤلاء أن تغافل هذه الأجهزة، وتقوم بتنفيذ جرائمها على النحو الذي رأيناه؟ هل كانت الأجهزة نائمة، أم كان بعض أفرادها متواطئا مع الإرهابيين، أم لم يكن لديها الوعى الكامل بحقيقتهم؟ وهل يمكن القول إن هناك فسادا متغلغلا في جسد الأجهزة الأمنية، وإلى أي مدى؟

لقد ثبت من خلال هذه الهجمات أنه لا يوجد ثمة تنسيق بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للدول الأوربية، على الأقل فيما يتعلق بالمعلومات.. هل لدى كل دولة معلوماتها الخاصة التي تستأثر بها دون غيرها، ربما لتعارض المصالح واختلاف السياسات والتوجهات فيما بينها؟! مرة أخرى نتساءل: هل من الممكن أن تتكرر الهجمات الإرهابية في فرنسا، وهل لدى الإرهابيين إمكانية فعل ذلك؟ وهل يمكن أن تمتد الهجمات إلى دولة أو دول أوربية أخرى، وما هي هذه الدول المتوقعة يا ترى؟ لقد اتخذ الرئيس الفرنسي - إنقاذا لموقفه - مجموعة من الإجراءات على المستوى الداخلى، ومجموعة أخرى من الإجراءات بدأ تنفيذها على المستوى الخارجى..

طائرات فرنسية تضرب بعنف معسكرات وتجمعات داعش في سوريا، وحاملة طائرات "شارل ديجول" تنتقل إلى البحر المتوسط كي تكون بالقرب من سوريا، وهناك ترتيبان؛ أحدهما للقاء الرئيس الأمريكى، والآخر للقاء الرئيس الروسي، في محاولة للتنسيق والتعاون تجاه الأزمة السورية.. يقال دائمًا إن مواجهة الإرهاب ليست أمنية فقط، وإنما يجب أن تكون فكرية واجتماعية واقتصادية كذلك..

وهذا صحيح.. أن هناك بيئة حاضنة لفصائل الإرهاب.. فالإرهابيون ليسوا منخرطين في المجتمعات الأوربية.. هم يشكلون "جيتو" داخل هذه المجتمعات، ومعظمهم في الغالب الأعم يعانى من بطالة وفقر، فضلا عن غياب الوعى الإسلامي الصحيح.. السؤال المهم هو: كيف سيكون سلوك الأجهزة الرسمية ومؤسسات المجتمع المدنى المنظمات المجتمعية تجاه الجاليات العربية والإسلامية في هذه الدول؟ وهل سيكون سلوكا حكيما ومتزنا وعاقلا، أم يكون عدائيا وقاسيا بحيث يدفع هذه الجاليات إلى تبنى أو على الأقل التعاطف مع الفكر الداعشى؟
Advertisements
الجريدة الرسمية