رئيس التحرير
عصام كامل

هل ينتقم الأمن من الشعب؟!


تعالوا بنا نتخيل الخلخلة بديلا عن الهيكلة.. في الهيكلة يتم وضع الأمور في نصابها الحقيقي، مهام، مسئوليات، سلطات، أدوات.. كل ذلك يتم وضعه في الاعتبار، وهو الأمر الذي قاومته جحافل الشيطان داخل جهاز الشرطة وخارجه.. هؤلاء الذين تحدثوا عن التوقيت المناسب، وهم أنفسهم الذين وضعوا الشعب تحت ضغط وحصار وخوف لدرجة دفعت شرفاءً للمطالبة بعودة الصالح والطالح معا.


نتيجة رفض الهيكلة والدفاع عن مصالح الفاسدين والتمسك بالقيم المتجبرة، أنتجت لنا قتلى وضحايا في أقسام الشرطة، ولأن لكل فعل رد فعل مساويا له في المقدار ومضادا له في الاتجاه، حسبما أنتجت قريحة نيوتن من نظرية علمية ليست بعيدة عن محور حديثنا، فإن القادم هو الخلخلة وليس الهيكلة، ونار الخلخلة ستطول الجميع.. الناس والقادة والنظام.

ورغم أن الإرهاب طال حياة ضباط وجنود خلال الساعات القليلة الماضية، فإن الشارع يتحدث أكثر عن التعذيب.. التعذيب يطال كرامة البشر وحياتهم، وهو ذاته قد ينتج إرهابيين أو تيارات تستغله لاجتذاب مريديها ومحبيها وأتباعها.. إذن المسافة بين الشهداء من الشرطة والمجرمين فيها ليست كبيرة، فالمجرم الذي يتورط في التعذيب ينتج مجرما مثله يواجه زميله بالنار.

ليس هذا مبررا للإرهاب، ولكنه توصيف لواقع مرير نحياه كل يوم وندفع ثمنه كل ساعة.. يدفع الضباط ثمن جهل وجبروت ومرض زملاء لهم سقطوا في مستنقع التعذيب وأدمنوه، رغم بشاعة نتائجه على الجميع.

التيارات التي تستغل وقائع حقيقية، ترى في التعذيب وسيلة لها لكسر صلابة الموقف الشعبي من تلك التيارات، فتعزف على أوتارها أناشيد صارخة تجد صداها في نفوس الكثيرين، فيطرح البعض السؤال الصعب: هل ينتقم الأمن من الشعب؟.. ورغم أن الذين بذلوا أرواحهم من أبنائنا في الشرطة والقوات المسلحة أكثر من أن نحصيهم، إلا أن الممارسات الحمقاء التي يتورط فيها زملاء لهم تسيء أولا إلى هذه الدماء الذكية، وتجعل من إعادة طرح التساؤل إشكالية تحقق للإرهابيين جزءا من المبررات الواهمة.

في الداخلية جهاز يعلم دبة النملة عن الضباط وممارساتهم وتحركاتهم، غير أن هذا الجهاز "عطلان" عن قصة التعذيب، أي أنه يتجاهلها ويتغافل عنها ويرفض الاعتراف بها، رغم أن لديهم وقائع يعرفونها كما يعرفون أبناءهم.. هؤلاء الصامتون أو الساكتون هم شركاء في الجرم الذي يحاك ضد الوطن.. نعم التعذيب جريمة أكثر ضحاياها هم أبناء الشرطة أنفسهم.. التعذيب يبني سياجا من الكراهية الشعبية ويخلق صورة ذهنية سلبية عن رجل الأمن.

يقول خبثاء: إن تيارا داخل وزارة الداخلية يعرف حجم الكارثة بل يحاول تغذيتها؛ انتقاما من جماعات أخرى في المجتمع أو ثأرا من مؤسسات أخرى داخل الدولة.. مختصر القول إن هناك معارك تدور رحاها بين مؤسسات وتيارات وجهات داخل مؤسسات الدولة.. الكل يبحث عن موضع قدم في النظام الجديد.. رجال الشرطة يرون أن لهم نصيبا من مؤسسة الحكم لا يجب أن يتنازلوا عنه.. مؤسسة القضاء لها نصيب.. المؤسسة العسكرية.. الجامعات.. نفس الطريقة القديمة.. لم يتغير شيء.

ما يهمنا هنا أن شعار الكرامة الإنسانية الذي رفعه ثوار يناير لا مكان له بعد مرور خمس سنوات على ثورتهم.. حقوق الإنسان تتراجع بشكل مخيف.. كان لدينا خالد سعيد والآن لدينا "خوالد" وليس خالدا.. الصورة تزداد سوادا ولكن السؤال الملح: هل تتسبب هذه الممارسات في غليان شعبي جديد؟.. الإجابة: نعم.. خاصة أننا نركز في إعلامنا على هذه الصور فقط، مع العلم بأن الصور الأكثر إيجابية - وهي بالجملة - لا يراها المواطن ولا تسلط وزارة الداخلية الضوء عليها.

ورجال الأمن ليسوا هم هذا الضابط الجاهل المتورط في تلفيق قضية، وليسوا هذا الضابط المريض المتورط في تعذيب مواطن حتى الموت.. رجال الأمن هم هؤلاء الجنود الذين جاءوا من باطن الأرض، كانوا يزرعونها والآن يموتون عليها في سيناء وفي كل شوارع مصر وحواريها.. هم هؤلاء الضباط الذين يحملون أرواحهم على أكُفِّهم في كل بقاع مصر؛ حماية لأمنها ولأبنائها.. رجال الأمن أكبر وأشرف من تلك النماذج المريضة التي يجب التخلص منها قبل وقوع الكارثة.
الجريدة الرسمية