رئيس التحرير
عصام كامل

كيف حالك يا مصر؟!


أعلم أنك تعلمين أنك لست بخير.. وأعلم مدى صبرك وتحملك على هذه الأيام التي ينبح ويتكالب عليك فيها كل نهم جشع.. يهبش من حسنك وحسبك ونسبك وكنزك.. كل هؤلاء يسعون في أقاصي مدنك لحجبك، أو لعريك.. لكن من يريد فيهم سترك؟.. من يحمل فيهم بين كفوفه أفعال: زرع.. درس.. عمر.. صنع؟


أرى أنك ترين تكاثر اللصوص عليك من كل حدب وصوب، يسرقون أسرار حضارتك ومكانتك وأمنك وميادينك ونصرك.. يمسخون علمك وشموخك.. يشوهون شخصيتك وثوريتك.. أسلوبهم واحد لم يتغير، فمنذ الأزمان السحيقة وهم كما هم.. فقط يبدلون أشكالهم، ووجوههم تتلون حسب أقنعة متطلبات الحاضر.. منهم للأسف نفر من عيالك الخائبين يقلدون الأغراب، ويرددون ما يقولون عنك في المهانة والتقزيم ونشر الفساد وتفجير دماملهم المقيحة فينا.. إنهم يحترفون مسخ عقول الطيبين من ناسك.

بطالمة على فرس على هكسوس على همج العربان على تتري على مملوكي على عثماني على إخوان إرهاب وعباد الأسلاف المهووسين بالخلافة على طبالين الزفة.. رعاع مهرطقون يسعون كما سعوا في غابر أيامهم لحكمك وتوطين نفوذ إمبراطوريتهم بك.

والألعن، غياب بصيرة ناسك المنقادين وراء الأغراب.. يرددون ما يقولون.. إفك يشيعونه بيننا للفتنة والشك والتناحر، لنغفل عنك فتكوني لقمة سائغة بين أنيابهم.

ومن مرارة التغيب وحسرتها، أني على يقين بأنك متيقنة تماما من عطن جوف بعض عيالك "المتقنزحين" المدعين المستحوزين على مناصب الضوء فيك، فبربك يا مصر، من هؤلاء أصحاب الوجوه العكرة المالحة والكروش المنتفخة.. أهؤلاء رواد التنوير والوطنيين والساسة؟!

أيعجبك يا درة العين، أن أصحاب العاهات الخلقية والأخلاقية والعواهر يكتبون ويتحدثون عنك.. يتصدرون كل المنابر حتى تعطل الأمل وأرهبت وبارت النفوس.. لهذه الدرجة يا مصر هنت علينا، فتركنا مهمة تجميلك لكل من على رأسه بطح قبيح دميم يتيه غرورا بأنه المختار "فلتة زمانه" يجرب فيك خلله، والنتيجة دوما واحدة نفس السؤال العقيم، أتجميل هذا أم ترقيع أم تمزيق؟.. وتعاد الكرة مع مختل جديد!

وعلى مصاطب هرمك تجلس أبدان مقلفحة وأنوف معوجة وآذان مفلطحة وألسنة لدغة.. فحيح على وقاحة.. طامعون في حصاد أجرانك لزعامة أصوات عيالك.. وبينهم ناب أزرق مسموم يطعن ويهدد: إما عرش مصر "لنا" أو الفوضى، وجناب عالي المقام ما زال يتنهد وينظر للسماء: سأشكوكم لشعب مصر!

وعلى الرغم يا مليحة الزمن من النار التي تأكل فيك، وتشتعل هنا وهناك بغية تخويفك وترهيب أبنائك المخلصين إلا أنك وأننا وإن كنا نَفَرا قليلا، سنسعى نورا وعلما وصدقا ملتفين حول إرادة واحدة على قلب رجل واحد؛ إيمانا بتاريخك وحاضرك الذي لا يتطلب أي تجريب.

ولتعلمي يا جميلة الدنيا، في فقرك كلنا قوتك.. وفي العمل كلنا عمال وزراع لتجميلك.. في معركتك كلنا جنودك، وفي محنتك كلنا شعب متوحد للعبور بك إلى بر الأمان وراء زعيمه، لكن بلا تحيز واستغفال وتغييب وتطبيل له.. بلا تخويف وبلا تخريف، سنقول وسنبني معجم مصر الحديث.

وبين سطور تاريخك منقوش، أننا نحن شعبك دائما نبني المجد بأمر القائد الأمين عليك وعلينا.. إذا أراد نبني وإذا لم يرد تكاسلنا وتراجعنا.. ويظن الرأي أننا أموات، لكن في لحظة ندب الأرض نطربق فوقه العرش إن حاد عن درب البناء.. وصدق الذي قال "مصر ولادة"، مهما تحكم فيك لئيم أو خائب، فيخرج من ناسك ومن جنودك ابن حلال.. يقودهم، ليضيف هرما جديدا في حضارتك، وإنا منتظرون من يأمر بالبناء لنبني.

وعلى نول الحقيقة، أقول لمن يسعى فيك فسادا: "لا دين يشفع ولا قمع ولا ترهيب ينفع.. مصر والمصريون لا ينطلي عليهم بُهرج الأونطة أو يرعبهم التجبر".. جهلاء واهمون من يعتقدون أن ذاكرة مصر من ورق سهل الحرق والتحريف.. لا يعرفون يا مصر، أنك وإرادتك حجر صوان منه يخرج نبع الحياة.
الجريدة الرسمية