رئيس التحرير
عصام كامل

العزيزة أمي

نورهان عبد الله
نورهان عبد الله

لم أكن أعرف أين البداية لأبدأ لكِ فالبدايات دومًا مؤلمة كما النهايات، اعذريني إن تأخرت عليكِ في رسائلي، كم أنا في مفترق الطرق، بحاجة لأن أبكي بين يدى الله على الوحدة التي أشعر بها، وإن كنت وحيدة فالوحدة خير من جليس الحُب.


الحُب يا أمي الذي يؤدي بي إلى حافة الهاوية، فلا أعرف إلا خريطة العالم الآخر، عالم موازي لايوجد فيه سوى أنا وأنتِ تضميني إلى صدرك فأشعر بالدفئ، بحنانك، فتشعريني بأنوثتي، أنا الآن أشعر بلخبطة المشاعر، كإنني انشطرت نصفين، نصف يحتاجك والآخر يبكي عليكِ، غيابك موجع كلحن لم يكتمل فيصيب صاحبه بالأذى، اتعلمين لا أريد الذهاب إلى قبرك يكفيني أن أكتب إليكِ، أن أبوح إليكِ في هذا العالم الآخر فالبوح راحة وأنا أشعر الآن براحة بدفء المشاعر وأنتي تستمعين إلى كلامي، ولم يذهب إلى مهب الريح.

اليوم أتممت عمري الرابع والعشرين وأنا معه هو مثلك يمتلك حنان لا مثيل له، هو حب العمر، لا تقلقي يا أمي فأنتي في الجنة وأنا أيضًا معه في جنة أخرى، لا تقلقي فزيارتك لي في الأحلام تصبرني على الحياة أعلم أن أبي لم يخُنكِ فالإخلاص دومًا في دمه ولم يتزوج عليكِ حتى بعد رحيلك، كم أنا بائسة بدونك، خصلات شعري أبيضت، وشبتُ مثلك تمامًا وأنتِ في الخمسين، أصبحتُ أشبهك في كل شئ، حديثك، طريقة معاملتك، كل شئ.

الحياة يا أمي صعبة هكذا قال لي أبي وأنا لم أصدقه لكنها كذلك، تلك المسئولية أصقلت صدري، وتعبتُ من الحياة، حتى فقدتُ بريق الصبر، ماعادت الأيام تستهويني كما كانت من قبل كنتُ أقضي حياتي كلها وأعيشها بالطول والعرض، لكنني الآن أصبحتُ كبيرة بدونك.

تعلمت العقل والرصانة والجدية في التعامل، كل شئ هنا حولي ما زال كما هو لم يتغير، أثاث المنزل الدافئ، رائحة ملابسك، كل شئ كل شئ.

أشعر بتيهة طويلة لم أعرف مصدرها حتى الآن، ذلك أو ربما لأنك في عالم آخر، الفراغات هي التي تحكمني، لا أعرف ربما ستكون هذه هي رسالتي الأخيرة، فانا والصمت أصدقاء منذ أن رحلتِ، لم أمل الكتابة عنكِ، فكل شئ مقدر، وأنتِ قدري.

الكون يتسع لي كل يوم، وأنا لم أضاهِ حبًا مثلك، لم أكتب لأبي أو أخى يومًا رسالة مثلما أكتب إليكِ، فالرسائل دومًا نكتبها لهؤلاء الذين يرحلون عنا وأنتِ رحلتي وتركتي جرحًا غائرًا، قررت يا أمي أن اكتب لكِ مائة رسالة ولمدة مائة يوم لعلي اكون بخير وأن القاكي في الدار الآخرة ربما سيحدث حين أكتب إليكِ الرسالة التاسعة والتسعين، وتبق رسالة لم تكتب بعد.

أمي كوني بخير لأكون أنا بخير مثلك فالروتين يقتلني، وأشعر أن كل شئ يضطهدني بداية من بائع الخبز على أول ناصية شارعنا وانتهاءً بعامل النظافة.

سائق التاكسي يذكرني أن اليوم هو ذكراكي لذلك لن أمل من الكتابة إليكِ، ففي كل مرة سأكون بخير فيها ستكونين أنتي بخير.

أجلس على كرسي الهزاز وأسميه أنا أرجوحتي الصغيرة التي تطمئني في أيام المطر، تلك الأرجوحة دائمًا ما تذكرني بك حين أستعيد ذكرياتي معك، أتسلل من نفسي إلى نفسي، وأستمع إلى لحن مصلوب، العالم كله من حولي صخب وأنا هادئة، مازالت الوحدة تطوقني، ويدق قلبي في الثانية مائة دقة حين تسمعيها سأصعب عليك، أتأرجح بين الثانية والأخرى، أحب ملمس يدي الناعم وأحب أن أتدلل مثل الأطفال.

تلك رسالتي إليك يعلم الله أن الفراغ يحاوطني من كل جانب وأنت في الجانب هناك ستشعرين بي فالأحبة يشعرون ببعضهم بين الحين والآخر.

لا أعلم لماذا أكتب لك رسائل ربما تحفظيها في ذاكرتك أو في قلبك الدافئ، احتاجك أن تصبريني على أيام هزيلة، أنتِ سندي وونسي وكل شئ في الحياة.
الجريدة الرسمية