رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

لماذا ابتلعت روسيا طائرتها المحترقة بصاروخ تركي أمريكي؟!


لا يمكن القول، تعميما، أن العلاقات الروسية التركية، سقطت مع إسقاط الطائرة الحربية الروسية سوخوي- ٢٤، داخل الأراضي السورية، بصاروخ أمريكي من فانتوم - ١٦ أم، كما لا يجوز تصور أن هذه الروابط احترقت مع احتراق السوخوي.


ومن الصحيح جدا الرد على هذا بأن لهجة الاتهام والغضب الروسية كانت عالية وذات ضجيج، وفيها وعيد، وصحيح أيضا أن تركيا هرولت كطفل أدرك حجم الخطأ الذي ارتكبه، ليحتمي بحلف الناتو وهو عضو فيه، ليطلعهم على التطورات والإجراءات، والتعرف معا على الخطوات التالية.

الأصح من هذا كله أن السكرة راحت والفكرة جاءت، فمع ظهيرة اليوم التالي لإسقاط السوخوي بفعل مدبر من قبل تركيا على حد تعبير سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، أطلق لافروف تصريحا يهدئ به مشاعر العالم، شرقه وغربه، وهو في إدارة الأزمات، يعد كشفا لأوراق اللعبة مع خصم، يلاعبك بالوكالة عن الغرب، لكن من الواضح أن تعريف الخصم بأن إسقاطك الطائرة لن يعني شن حرب عليك، هو آخر ماكانت تترقبه الدوائر شتى، في الإعلام وفي البيت الأبيض وفي عشرة داوننج ستريت بلندن، وفي عواصم الشرق الأوسط!

فما الذي طرأ على الخطاب الغاضب من الكرملين؟!

طرأت القراءة المتأنية، وتقديرات رد الفعل، واحتمالات أن تكون تلك مستنقعا، ينجر إليه الاتحاد الروسي، وطرأت أيضا أدلة وضعها حلف الأطلسي، تحت ناظري القيادة السياسية الروسية، من خلال الاستخبارات، بأن المقاتلة الروسية دخلت الأجواء التركية، وتلقت صاروخا، وعادت محترقة إلى داخل الأراضي السورية بعمق أربعة كيلومترات، فوق جبال التركمان، حيث تعيش أقلية تركية، وصفها أردوغان بأنهم إخوة أتراك، وجبت حمايتهم من القصف الروسي !

لكن هل من المنطقي، في تفكير القوى العظمي، ابتلاع الإهانة تلو الإهانة ؟! لقد أسقط لروسيا أربع طائرات، بدأت بالمدنية فوق سيناء، وتلتها طائرة شحن عسكرية في جنوب السودان، سكتت روسيا عنها ولم تتخذ إجراءات ولم تعلن معلومات، ثم أسقط الأتراك السوخوي الثلاثاء، وقتل التركمان أحد الطيارين الاثنين، بينما أنقذت قوات الجيش السوري الطيار الثاني، بعد رحلة بحث استمرت ست ساعات.

ومع حلول المساء أصابت قذيفة دبابة للمعارضة السورية العميلة، مروحية روسية كانت تمشط الجبال، ضمن سرب مروحي، بحثا عن طياري السوخوي، بل فقد أحد جنودها في العملية. المزاج الإنساني هذه السنين والأيام، هو مزاج انتقامي فوضوي، ينزع إلى الدم، بأكثر مما ينزع إلى السلام! من أجل هذا لم يتصور أحد أن تروح السكرة وتأتي الفكرة، بفتح الفاء، وأن تستجيب روسيا لدعوات بعدم التصعيد، وأن من حق أي دولة حماية سيادتها في البر والبحر والجو، وهو، في بيان حلف الأطلسي، ما فعلته أنقرة.

ارتفعت صيحات الحرب وعلا ضجيج الطبول، في الصحف والميديا ومواقع التواصل الاجتماعي، كأنما هي مباراة كرة قدم عالمية في نهائي كأس الحياة البشرية !

لا يعلم مترقبو الحرب العالمية الثالثة، عواقب أشواقهم إلى الخراب، لا يعلمون أنها ستكون آخر حروب الإنسان، لأنه لن يكون هناك بعدها إنسان!

ومع ذلك، يبقي أن نرصد ذلك النزوع الشاذ للبشر في رؤية المزيد من أعمال ومظاهر الفناء.

يمكن أيضا أن نرصد كيف يمكن أن تكون روسيا قد فكرت في أفضل طريقة لاستثمار حادث إسقاط طائرتها. سلوكها على الأرض، في سوريا وخارجها يؤكد أنها قررت الاستفادة من حريق السوخوي، فقد امتثلت، فيما يبدو للدعوات الغربية بعدم التصعيد، وظهرت كقوة عاقلة، ليس لديها نهم للحرب من أجل الحرب.

وفي الوقت ذاته قررت إرسال الصواريخ الديناصورية، إسكندر-400 إلى سوريا، وأعلنت هيئة الأركان الروسية أنها ستضرب أي هدف يتحرك في السماء السورية يعترض الطائرات الروسية، ومعني هذا تحريم تحليق الطيران التركي داخل الحرم الجوي السوري.

يمكن أيضا أن تضغط روسيا بقوة على موضع الإيلام في الجسد التركي، كأن تمد حزب العمال الكردستاني المعارض للدولة التركية الإخوانية بالسلاح والتدريب، وتجعله شوكة في عنق أردوغان! أساليب العقاب عديدة، والرد لا يكون فقط بتمهيد نيراني للحرب العالمية الثالثة والأخيرة، إنما يكون بالقدرة على تحويل الخسارة إلى مكسب، والكارثة إلى ضريح، يتبرك به العالم.

لقد صارت السوخوي سيخا في ظهر تركيا الإخوان. لكنها صارت دخولا أعمق في عملية تعزيز بشار الأسد، والحفاظ على الدولة السورية.

وبالنسبة لمصر، فإن الأسبوع الماضي كله، بوقائع الإرهاب من باريس إلى بلجيكا إلى تونس إلى ما سيقع حتما، هو شاهد على أن الدنيا تعمل لحساب مصر أم الدنيا، فلم نعد وحدنا الهدف، ولم نعد وحدنا من يحارب !

Advertisements
الجريدة الرسمية