رئيس التحرير
عصام كامل

مراحل تطوير الخط الهيروغليفى

فيتو

اشتقت كلمة "هيروغليفي" من الكلمتين اليونانيتين "هيروس" Hieros و"جلوفوس" Glophos وتعنيان "الكتابة المقدسة" إشارة إلى أنها كانت تكتب على جدران الأماكن المقدسة كالمعابد والمقابر و"الكتابة المنقوشة" لأنها كانت تنفذ بأسلوب النقش البارز أو الغائر على جدران الآثار الثابتة "المباني" وعلى الآثار المنقولة "التماثيل واللوحات".


الفترة الزمنية الطويلة التى عاشتها اللغة المصرية القديمة أدت إلى ظهور مراحل لغوية عديدة، كما أدت أيضاً إلى ظهور مراحل خطية تتناسب مع ظروف العصر ومع متطلبات المراحل اللغوية فى بعض الأحيان.

فالخط الهيروغليفى هو الصورة الكاملة للعلامة، وهو الخط الأكثر وضوحاً، والذى يخرج فى إطار تحكمه قواعد خطية، هذا الخط الذى كان يستخدم، أكثر ما يستخدم، على الأحجار التى تطلبت خبراء فى الخط المنقوش وفى استخدام الآلات الحادة كالأزاميل.

وفى حالة حدوث خطأ فى أغلب الأحوال كان الحجر يستبدل بحجر آخر، ليبدأ الكاتب من جديد، ويضيع الوقت والجهد والمال، وفى كل الأحوال كان يمكن إصلاح الخطأ ربما بتغطيته بطبقة جصية، ثم يكتب فوقها من جديد، وقد تسقط هذه الطبقة بعد فترة من الزمن إلى جانب صعوبة نقل الأحجار التى تدون عليها النصوص من مكان لآخر.

ومن هنا أدرك المصرى أنه لابد من البحث عن مادة أخرى أكثر سهولة للكتابة عليها، وعن خط أبسط من الخط الهيروغليفي، وعليه فقد ظهر الخط الهيراطيقى الذى كان من نتائج جلسات نقاش طويلة بين المتعلمين من أبناء مصر الذين تصدوا لهذا الأمر، أمر العلامات الهيروغليفية، ولابد أنهم اتفقوا على ضوابط للتبسيط، فمثلاً حتى لا تفقد العلامة (n vvvv ) مدلولها الشكلى فى اللغة المصرية القديمة، لابد أنه كانت هناك محاولات كثيرة تتعلق بتخفيض عدد الوحدات المكونة للعلامة ( vvvv) التى تمثل موجة مياه، لتكون ثلاثاً أو أربعاً بدلاً من ست، أو تبدأ العلامة أو تنتهى بما يشير إلى الموجة، مع إلغاء الوحدات الوسطى.

ولعلهم استقروا فى النهاية على أن تأتى الموجة فى خط واحد مسطح يقلل من حركة الكلمة ومن الجهد والوقت، وهكذا أصبحت العلامة تكتب هكذا كخط أفقى، مع مراعاة وجود بقايا الحبر فى هيئة زائدة سفلية فى نهاية العلامة. ولم يكن الجهد كله فى الاتفاق على تبسيط العلامة، وإنما كان هناك جهد آخر لا يقل أهمية؛ وأقصد كيفية توصيل هذا التبسيط إلى كل مكان على أرض مصر حيث يوجد البشر، وإلا لكتبت كل مجموعة بطريقتها، وانعدم أمر شيوع شكل الخط، ولابد أن هذا الأمر قد استغرق وقتاً طويلاً.

ورغم أن المصريين القدماء فى كل مكان على أرض مصر قد التزموا بأساسيات التبسيط، إلا أن هناك بعض العوامل التى فرضت بصماتها على هذه الأساسيات، وهى الزمان والمكان ويد الإنسان، وأداة ومادة الكتابة . ولنا أن نتصور أن وثيقة كتبت فى "منف" فى القرن 20 ق.م. مثلاً لابد أن يختلف خطها فى بعض الخصائص غير الأساسية عن وثيقة كتبت فى "طيبة" فى القرن 15 قبل الميلاد، ناهيك عن مهارة الكاتب من عدمه، ونوع أداة ومادة الكتابة.

وبدأ المصرى مرحلة تبسيط الخط والتوصل إلى الخط الهيراطيقى بعد استقرار الخط الهيروغليفى فى المرحلة المبكرة من تاريخ مصر المكتوب، لأن الخط الهيروغليفى هو الأصل الذى تم تبسيطه. وتشير الدراسات الخطية إلى ظهور العلامات المبسطة منذ الأسرة الأولى؛ وإن لم نعثر على نص هيراطيقى مكتوب على ورق البردى قبل الأسرة الخامسة، حيث عُثر على قطع صغيرة من البردى مسجل عليها نص بالخط الهيراطيقى فى المعبد الجنائزى للملك "ساحورع" فى "أبو صير" جنوب الجيزة "بعض هذه القطع محفوظة فى المتحف المصرى والأخرى فى متاحف أجنبية".

ومن حسن حظ مصر أن توصل الإنسان المصرى القديم إلى اختراع هائل ترك بصمات واضحة ليس فقط على الحضارة المصرية ولكن أيضاً على بعض حضارات العالم القديم، ألا وهو البردى كمادة كتابة أساسية بالنسبة للخط الهيراطيقى وغيره من الخطوط.

ولابد أن المصرى قد توصل إلى هذا الاختراع منذ عصر الأسرة الأولى على أقل تقدير، حيث عثر على بعض قطع صغيرة من ورق البردى خالية من الكتابة فى مقبرة "حم كا" فى سقارة "عاش فى عهد الملك "دن" أحد ملوك الأسرة الأولى"، وهى محفوظة فى المتحف المصرى ضمن مقتنيات هذا الشخص. وهكذا نجح المصرى فى تحقيق إنجازين هامين، هما تبسيط الكتابة، واختراع مادة صالحة لهذه الكتابة المبسطة، سهلة الاستعمال، خفيفة الوزن، توفر الجهد والوقت، وهى البردى.

وبمرور الوقت ظهرت مع بداية الأسرة السادسة والعشرين مرحلة خطية ثالثة تمثلت فى الخط الديموطيقى الذى هو أكثر اختصاراً من الخط الهيراطيقى؛ وتخلى عن الكثير من الضوابط الخطية، وأصبح أقل وضوحاً وأكثر تشابكاً من الخط الهيراطيقى، ومن هنا تبدو صعوبة الكتابة الديموطيقية، وبالتالى قلة عدد المتخصصين فيها، ولقد ازدهر هذا الخط فى العصرين البطلمى والرومانى، وكتب أكثر ما كتب على البردى والأوستراكا. وإذا كانت النصوص الهيراطيقية هى نصوص دينية فى معظمها، فإن النصوص الديموطيقية هى أكثر النصوص إبرازاً للحياة الاجتماعية والاقتصادية للشعب المصرى. ثم تظهر القبطية مع وجود البطالمة فى مصر. ولأنها كتبت بحروف يونانية، فليس هناك من علاقة خطية بينها وبين الخطوط السابقة، ولكنها تمثل - على أية حال - استمراراً لغوياً ونحوياً وصوتياً، وقد سجل المصريون بها الكثير من النصوص التى ألقت الضوء على حضارة مصر القديمة فى المرحلة المتأخرة من تاريخها.
الجريدة الرسمية