رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الخيط عند المملكة !


ثبتت الرؤية فلم يعد هناك من شك، أشياء كثيرة لم نكن نفهمها، ولكن الصورة بدت أوضح منذ تبادل الاتهامات الدب الروسي والشيطان الأعظم في اجتماع الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة! وخصوصا بعدما اعترف الشيطان الأعظم على نفسه وأقر بانهم- أقصد طبعا الأمريكيين- يدربون المعارضة السورية ويسلحونها، وأـن هذه المعارضة سلمت سلاحها لجيش النصرة، وواجههم پوتين بحقيقة أن كل هذا يصل في نهاية المطاف لداعش؛ وأوباما يعلم علم اليقين ما يعنيه تصريحه بأنه لا أمل في القضاء على داعش مع بقاء الأسد؛ وكأنه يملي بذلك شرطا ينبئ بدورهم الحقيقي تجاه داعش، والذي أصبح يقينا بعد الصور التي التقطتها طائرات روسية بدون طيار، وهي ترقب الوضع فوق سماء سوريا، ويعني أن الأمر الأمريكي لداعش بالتوقف سيصدر فور اعتزال الأسد وليس قبل ذلك، وما إصرار أوباما على رحيل الأسد بزعم أنه يقتل شعبه على مدى خمس سنوات منذ بداية الربيع العربي!


ولا ادعي أن الأسد كان الحاكم المثالي؛ وكأنه كان من المفروض أن يقف الأسد موقف المتفرج من المعارضة التي تسلحها أمريكا؛ لزوم الحرب الأهلية المرجوة؛ فمن الواضح أن خطة أمريكا لسوريا أن تلحقها بليبيا تضرب المدن وتفعل بالأسد ما فعل بالقذافي وصدام، فتؤول سوريا لما آلت إليه إحدى الدولتين، وتنتهي كلها بمزيد من الفوضى والدماء والتقسيم، وكون مصر-حمدا لله- افلتت من هذا المصير-سأوضح لماذا لاحقا-لا يمنعني من أن أجزم تمام الجزم بأنه غرر بنا حين شاركنا في ثورة يناير..

كان نظام مبارك فاسدا وكان لابد له من نهاية، ولو لم يكن كذلك ولو لم يعبث بالدستور وبانتخابات مجلس الشعب، لو لم يعبث بثروات المصريين ويوزعها كيف يشاء كي يضمن لنفسه نصيبا في القسمة، لو لم يحتكر السلطة والاقتصاد والحياة ويحرم الناس، ما خرجنا وما استجبنا للنداء..

كانت أهدافنا مشروعة، ولكن ما أن خُلِعَ النظام حتى حلت الفوضى، والحقيقة لم نكن نحن لها سببا، فقطعا لسنا مسئولين عن الفراغ السياسي الذي خلفه نظام مبارك نتيجة للتصحر العمدي للحياة السياسية، ولسنا مسئولين عن استفحال التنظيمات الإرهابية التي رعاها على سبيل أنها "شيء لزوم الشيء" فالتاريخ يخبرنا أن الأنظمة الاستبدادية تستلزم وجود ظهير ديني يبرر أفعالها، ويقتسموا الكعكة على ألايطمع فيها وحده، يذلل للناس الطاعة والصبر معا حتى يقبلوا بالظلم وضيق العيش، لأنه سبحانه هو مقسم الأرزاق وهذه مشيئته فلا اعتراض، وسيوفي الصابرين أجرهم رب كريم في جنة الخلد.

وفضلا على ما لهؤلاء من قدرة على تطويع الدين بما يناسب الحاكم، وتغييب العقل العام فهم أيضا وحوش لا تؤتمن إذا ما جاعت، ولذلك نطعمهم ولكن بمقدار ونشركهم في الحياة العامة والحياة السياسية ولكن أيضا بحساب، وكي يظلوا تحت أبصارنا وطوع أيادينا فدائما لهم لدينا ملفات جاهزة تنتظرهم بما سمحنا لهم به من خروقات، كي تكون ورقة ضغط متعددة الاتجاهات فإذا ما لزم الأمر قيدناهم، وإذا ما لزم الأمر اطلقناهم، فيخافهم الناس وهكذا نضمن أن يظل الناس مهددين لا خيار عندهم خارج النظام؛ ظنٌ منهم غير صحيحٍ !

فقد أتت المفاجأة أن حدث العكس، إذ أصرت الجماهير على رحيل النظام، ولم يكن هناك بديل له، فلا أحزاب ولا ساسة كله مستهلك ولا قيادات شعبية كذلك! فلم يكن هناك بد مما ليس منه بد، وُسلِمت مصر للإخوان كما أرادت لها أمريكا، وكما أراد لها العملاء والأغبياء أيضًا، والآن بعد مضي ما يقرب من خمسة اعوام على الثورة، وبعد ما يحدث مع الجارات العربية، وعلمنا علم اليقين من وراء كل ما حدث ويحدث، ومن أشعل الفتن وزين الثورات وسلح المعارضين لتحويل المنطقة كلها إلى حرب أهلية؛ الحرب العالمية الجديدة أو حروب الجيل الرابع؛ تمهيدا للتقسيم وتنفيذا لمشروع الشرق الأوسط الجديد أو"سايكس پيكو الثانية" ولأن سياسات العالم ترسم لعقود أستطيع أن أؤكد أن السياسة رسمت بداية من الحرب الأهلية في لبنان والتقسيم وحزب الله انتهاء بالحكم الذاتي في الجنوب الشيعي "صيدا وصور" والتي ملأت مذكرات أبي بكاء، والتي أوردت لكم منها مرارا وتنبؤاته بما سيحدث؛ حمدا لله أنه لم يشهد الفصل الأخير لكان انفطر قلبه؛ أو حتى قبل ذلك بعقود بداية بفلسطين، مات ولم تجف دموعه عليها فلا أتصور حاله لو أنه معنا الآن !

بكى لبنان وحروبها الأهلية، وبكى يوم مذبحة صابرا وشاتيلا، قال عن الزعماء العرب ؛ الذين لم يحركوا ساكنا في خضم الأحداث: "بئس القول في موضع العمل! وكأن الأرض التي تنتهك ليست جزءا من الوطن العربي، أو كأن الشعب الذي يباد ليس جزءا من الأمة العربية، هؤلاء فاتهم أن ضياع جزء من الأرض يمهد لضياع أجزاء أخرى، وان أحلام المعتدين تغطي الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات، ولما تتم المؤامرة فصولها "

لقد بكى يوم قرار حرب العراق، تشهد قاعة مجلس الشعب أنه قد اعتزلها تاركا قيادة الجلسة للمستشار الدمرداش العقيلي إذ كان أكبر الأعضاء سنا؛ كان أبي يعرف أن كل هذا سيحدث، وقال إن ما يصيب العراق اليوم سيصيبكم غدا، وقُتل وذهبت العراق ولاتزال منذ خمس وعشرين سنة، لا شك أن أمريكا أوحت لصدام أن تجبر ما شئت فأنت في مأمن، كما أوحت له بكل حرب دخلها كي توقع به، واستطاعت أن توقع بالاتحاد السوڤيتي وكان أكبر منا وأعظم!

وانقسم الفلسطينيون بعد موت عرفات الغامض، وكأنه لم يكن ينقصهم إلا التقسيم ! واقتتل السودانيون وانقسم السودان، وصل بي الأمر أني أصبحت أصدق أن أمريكا أوهمت مبارك بأنها ترضى عنه فتجبر، وأنه في مأمن فتمادى، وأوغرت الصدور فثرنا، ثم غدرت بالكل، وتماما صنعت في كل الوطن العربي زينت للحكام الشر، وأعطتهم الأمان وأوهمتهم أنها حامية العروش، وأنهم جميعا في مأمن منها وبها، وتركت لهم الحبال فضفاضة؛ ولولا نفوس وضيعة ما وصلوا لأن شنقوا بحبالهم أنفسهم، وخسروا شعوبهم، وكشرت لهم أمريكا عن أنيابها طلبا للديموقراطية المزعومة، فلم يجن عليهم من جانٍ إلا طمعهم وتجبرهم فحق عليهم ماكان! وأصبحت الشعوب كلها على صفيح ساخن وصنعة أمريكا تأجيج النار أسفل الصفيح !

ولكن إحقاقا للحق لم يكن حكام مصر كغيرهم، كانت أطماعهم ملكية فقط، لكن أبدا لم يخونوا الوطن، تركوا دولة -نشكر الله- عميقة قوية لم تنهار، ولولا فضلٌ من الله وشعب ذكي تحركه بصيرة نافذة وعلاقة حميمة مع جيشه وشرطته ومؤسساته لم يستغرقه وقت كي يبلغه؛ هو وجيشه الوفي الفتِيّ دائما وأبدا؛ بأن الوطن في خطر، وأن الانحياز لمصر وحدها، فلم يتمكن منا واشٍ، ولم تنفصم عرى الشعب والجيش أبدا ولا لحظة، وأخرج من وسط الركام الخبث واستهجنه ونبذه، وبنفس الذكاء أدركت القيادة والجيش الواجب الوطني تجاه كل الأشقاء العرب، واختارت أن تستعيد دورها الريادي في المنطقة، وبحسها الذي لا يخطئ أدركت منذ اليوم الأول مَن مِن القوى المتصارعة الذي يحفظ كيان الدول، لعبت دورا مهما في إيجاد قيادة في ليبيا، وما زال الدعم مستمرا وساندت موقف الأسد؛ وهو الحاكم الشيعي العلوي؛ لأن بقاءه حاليا يعني بقاء سوريا؛ على عكس فعلة الخائن سليل الخونة مرسي العياط؛ وهي في الوقت نفسه تدعم الحكم السني في اليمن أيضا، لأن معه بقاء الدولة، ذلك بأن مصر لا تدعم طوائف وإنما تدعم كيان الأوطان، لو لم تحذر المملكة السعودية من خطورة الصراع السني الشيعي مع إيران على أرض سوريا، وتعلم أن تركيا ليست حليفا ولا بالقطع أمريكا، ولن يقف الأمر عند ذلك، سننتهي بحرب كبرى يدمر فيها المسلمون أنفسهم والمنطقة بثرواتها ويتشرذمون في الأرض.

وقد كشفت روسيا واجتماع الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة خيوط اللعبة، وبدخول روسيا والصين والتهديدات الأمريكية لروسيا يجب أن نعرف أنه لو ضاعت سوريا لن تضيع وحدها! وستكون المملكة خاسرة خاسرة وسنخسر جميعا في النهاية! بإعادة رسم حدود دويلات صغيرة لايشد بعضها بعضًا ويسهل قيادتها لصالح إسرائيل، ولن تأمن من ذلك المملكة نفسها، والتي تضخم ملفها في خرق قوانين حقوق الإنسان كما يدعى الغرب، وأقسم أنه سيكون هذا هو المدخل اليها فالتاريخ يقول إنه عارٍ من تدثر بأمريكا!

Advertisements
الجريدة الرسمية