رئيس التحرير
عصام كامل

عن الإعلام سألوني.. فألقيت بالكرسي في الكلوب!


لو ركزت قليلًا.. سوف تكتشف بقدرٍ يسير من الجهد، أن المشهد الإعلامي تخيم عليه سُحُب داكنة تنذر بزَخَّات من النقد الذي يصل إلى حد القسوة، وإن كان لا يخلو من شفافية، ربما تسهم في انقشاع الغيوم وعودة الضياء والصفاء إلى الأجواء.


علينا أن نعترف أن أوجاع وأمراض وخطايا الإعلام تراكمت وثقلت، إلى المدى الذي حدا بالقيادة السياسية أن تتناولها بعبارات غاضبة في خطاب علني.. لذا أرى أنه قد آن الأوان لطرح الجسد الإعلامي على شيزلونج الفحص الدقيق والشامل الآن وفورًا قبل فوات الأوان.

الأسباب عديدة فيما يتعلق بالابتعاد عن أصول وفقه الإعلام ودوره وحدوده المهنية والأخلاقية، لا يتسع المقام لذكرها.

لكن دعوني أمسك بتلابيب الإعلاميين وأنا واحد منهم، ولا نعفي أنفسنا مما اقترفت أيدينا في حق المهنة، وسماحنا بتسلل أنصاف المتعلمين ومدعي الثقافة والمعرفة ومعدومي الموهبة إلى بلاط صاحبة الجلالة.. وأوجه لأنفسنا اتهامًا صريحًا، بأن هناك إعلاميين "إيدك منهم والقبر"..لا يتسع المقام لذكر نماذج.. لكنهم يقترفون أخطاء تصل إلى حد الجنايات المهنية، التي تحدث أمامنا على مدى الساعة.

للإنصاف أقول هنالك أخطاء تفلت على سبيل السهو، لكن من الصعب قبولها ببساطة في مجال الإعلام، لما قد يترتب عليها من آثار تلبسنا في الحائط قبل تداركها، ويبقى الأخطر في الأمر، وهو أن بعض الأخطاء سببها غياب الوعى وضحالة الثقافة..

ولتوضيح هذه الحالة أنتهز فرصة إعادة نشر صورة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري للترويج لفكرة أن العم سام ليس في حالة خصام مع الدين الإسلامي والمسلمين..الصورة لجون كيرى وزير الخارجية الأمريكى جالسًا القرفصاء داخل صحن مسجد بالصومال وأمامه مجموعة من الصبية، وبدا كما لو كان واعظًا يلقى عليهم درسًا دينيًا.. هب أن صحفيًا نصف لِبَّة معدوم الوعي فقير الثقافة شاهد الصورة.. ثم بعد أيام أرسلوا له صورة أخرى لكيري عند وصوله مطار الرياض في زيارة للمملكة العربية السعودية، وتم تكليفه بكتابة تعليق على الصورة..والله لا أستبعد أن يكتب التعليق على هذا النحو: وصل السيد جون كيري وزير الخارجية الأمريكي إلى الأراضى السعودية.. ومصر قيادة وشعبًا تتمنى له حجًا مبرورًا.

في الوَسَط أيضًا.. هناك إعلامي لا يكلف نفسه عناء متابعة خبر يتولى تحريره، وهو لا يعلم مين راح فين؟ وكام؟ وليه؟ وامتى؟ وإزاي؟.. فيتوكل على الله ويكتب الخبر من بنات أفكاره.. ولنأخذ مثالًا بحضور وزير السياحة احتفال تعامد الشمس على وجه رمسيس منذ أيام.. فيكتب ما يلي:

حضر السيد هشام زعزوع وزير السياحة الاحتفال بتعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني بالأقصر الأسبوع الماضي..وقد أدلى الوزير زعزوع أمام القنوات التليفزيونية ووكالات الأنباء العالمية بتصريح في لحظة سقوط اشعة الشمس على وجه رمسيس قال فيه بصوت جهوري وهو يفرد أصابع كفيه ويصفق: صَلِّ على حضرة النبي.

وربما يزايد أحدهم ويتقرب إلى السلطات زلفى، عنما ينشر خبرًا عن أحوال الطقس يقول فيه إن مسئول الأرصاد قد صرح بأنه لا يعلم على وجه الدقة ما إذا كان الجو اليوم سيكون باردًا نهارًا شديد البرودة ليلًا أم لا؟.. المفترض أن المصداقية والأمانة المهنية تقتضيان انتهاء الخبر عند علامة الاستفهام..غير أن الزبون الذي أراد المزايدة كما أسلفت، ربما يضيف من عنده العبارة التالية على لسان مسئول الأرصاد: ونحن في انتظار تعليمات السيد رئيس الجمهورية.

وعن نفسي.. أنا لست ملاكًا.. بل أقبل صاغرا، أن أكون على رأس أجندة الاتهام.. وخذ عندك دليل اتهامي في الخبر التالي الذي كتبته أثناء مظاهرات اللبنانيين مؤخرا وأنا بكامل قواي العقلية:

ممنوع منعًا باتا إطلاق الرصاص على المتظاهرين اللبنانيين، حتى لو تعرض الجنود للرشق بالحجارة والزجاجات الفارغة، بينما التدخل الحاسم سيكون إذا تم الاعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة..صرح بذلك مدير عام قوى الأمن الداخلي اللبنانى اللواء إبراهيم بصبوص.. وقد أكدت مصادر مطلعة أن وزير الداخلية اللبناني نهاد مشنوق يتفقَّد المظاهرات!
الجريدة الرسمية