رئيس التحرير
عصام كامل

للسيد «فيسك»..انظر إلى الهرم لتعرف حدودك!


خرج الكاتب البريطاني روبرت فيسك، بمقال جديد يتكلم فيه عن الحدود بين الدول، وخاصة في المنطقة العربية، ويحمل في مجمله فكرة الأممية التي تتبناها جماعة الإخوان، عبر التأكيد على أن الغرب هو من صنع الحدود لدول الشرق الأوسط، ناسيًا أن أغلب هذه الدول هي دول حضارية تحتفظ بشكل عام لحدودها البشرية والجغرافية والحضارية، حتى لو تغيرت بمقدار بسيط الحدود السياسية.


المقال حمل العديد من الأوجه، والمفارقات، فقد ألغى فكر الحدود بين الدول العربية ودول الشرق الأوسط وفقًا للرؤية الإخوانية، القائمة على أنه لا حدود بين الدول العربية والإسلامية، وتبني فكر الخلافة.

فيسك بشكل أو بآخر يؤمن أن تنظيم "داعش" الإرهابي، هو الأحق بحكم العرب (المنطقة)؛ لأنه يلغي الحدود السياسية ويسقط "سايكس- بيكو" الشهيرة التي وضعتها فرنسا وبريطانيا، وهو العقاب لشعوب المنطقة على إسقاط المصريين لحكم جماعة الإخوان في 30 يونيو، فالإخوان من وجهة نظره هم الفصيل الأكثر تطورًا والأكثر إيمانًا بعملية الخلافة، والتي ظهرت على يد "داعش" قبيل أيام من الذكري الأولى لسقوط حكم الإخوان في مصر.

ويقول فيسك عن "داعش":"إدراك تنظيم الدولة لذلك كان سابقًا لإدراكنا. فقد عرف حقيقة صعوبة الدفاع عن الحدود في العصر الحديث، وتزامن ذلك مع خيبة أمل العرب في بلدانهم التي فشلت. وأغرق ملايين اللاجئين الأفغان والسوريين في لبنان والأردن وتركيا ثم أوربا"، وهو يشير إلى أن الكاتب نفسه يرى أن التنظيم الإرهابي أكثر فهمًا لمطالب شعوب المنطقة من أنفسهم.

الكاتب البريطاني اعترف بشكل أو بآخر أن كل تحليلاته حول أحداث 2011 في الدول العربية، كانت خطأ.

فيسك والذي يقدم على أنه خبير في شئون الشرق الأوسط وخباياه، تناسى وهو يركز على مسألة الحدود أن دول المنطقة والتي ركز على ذكرها كمصر وسوريا واليمن، وأضيف إليهم أن العراق هي دولة حضارية لديها ثقلها وتاريخها الحضاري منذ آلاف السنين، هذه الدول تحتفظ بالشكل العام لحدودها مهما اختلفت الأنظمة الحاكمة أو الدول المستعمرة؛ لأنها دول لديها الميراث الثقافي والتاريخي والحضاري الذي يحفظ حدودها دون الحاجة إلى خارطة موضوعة من قبل جنرالات الغرب.

فسوريا هي أرض الشام، وهي تمثل أهم وأقدم الحضارات، كالحضارة الآرامية والحضارة الفينيقية، فأبناء هذه الحضارات هم الآن سوريا ولبنان وفلسطين، وهم في شكل ما يعرف بسوريا الكبرى وهي إحدى أدبيات الحزب السوري القومي الاجتماعي هو حزب أسسه المفكر السوري أنطون سعادة عام 1932.

وهناك اليمن بتاريخها الكبير بلاد الملكة بلقيس وسد مأرب وحضارة حمير وسبأ وحضرموت، وما عليك سوى أن تذهب إلى صحراء صيهد لتعرف جغرافيا اليمن جيدًا.

والعراق حضارة الآشوريين وبلاد ما بين النهرين، وهي حضارة معروفة بتاريخها الكبير مهما اختلف نظام الحكم أو اختلف المستعمر، فهي جغرافيا معروفة بذاتها.

أما عن مصر، فاخرج من أفكار جماعة الإخوان والتي تؤثر عليك، واذهب إلى أي معبد أو جدارية لتعرف حدود هذا الوطن الذي لم يسقط أو يتغير مهما تغيرت الأنظمة والحكام.

إذا كان من الصعب الذهاب إلى معابدها أو آثارها داخل مصر أو في المتاحف الأوربية؛ فعليك أن تذهب إلى 10 شارع داونينج؛ حيث مقر الحكومة البريطانية لتمدك بالخطة العسكرية لاحتلال مصر، أو مكانة وحدود مصر على مر العصور.. وإذا لم تساعد حكومتك فاذهب إلى باريس، وابحث عن معارك وحروب "نابليون بونابرت" وكيف فشل في إخضاع مصر لسلطته، وخرجت جيوشه مهزومة من الأرض المقدسة.

وإذا صعب على نفسك أن تحصل على خريطة المحروسة من باريس، فعليك أن تذهب إلى صوامع القمح العتيق في روما قد تجد جزءًا من قمح وادي النيل يرسم لك خريطة وحدود مصر. وإذا كنت لا تريد الذهاب إلى تلك وذلك فعليك أن تقرأ في الكتاب المقدس فإنه يدل على مكانة وحدود مصر.

رؤيتك سيد فيسك، عن الحدود هي حق يراد به باطل، إذا كانت هناك أزمة في الحدود السياسية، فهناك حدود حضارية وتاريخية وثقافية بين شعوب المنطقة، وهو ما عليك أن تدركه جيدًا، وعليك أن تعي أن التاريخ يُعرف بمصر، وحدود العالم تبدأ وتنتهي عندها، حتى لو تعثرت في مسيرتها الحضارية لكن لا أحد يمكن أن يتجاهلها.

قد ينطبق كلامك سيد فيسك عن الحدود على بعض الدول المستحدثة في الوطن العربي والمنطقة، ولكن لا ينطبق على كلها؛ لأن لكل دولة كبيرة تاريخها وحدودها المحفورة على جدران معابدها وآثارها، والتي لا تستطيع أن تتجاهلها.

سيد" فيسك" رؤيتك تحمل بشكل واضح رؤية إخوانية للمنطقة عن الحدود والخلافة، حتى في زمن الخلافة كان لكل دولة حدودها ومكانتها وقوتها.
وأخيرًا سيد "فيسك" القِ نظرة على الهرم لتعرف حدودك.
الجريدة الرسمية