رئيس التحرير
عصام كامل

تجربة «الإخوان» فى غزّة وتونس ومصر!


المستقبل العربى يبدو قاتمًا، أقلّه فى المدى المنظور وفى بعض الدول، ما يبدو جليّا يومًا بعد يوم أن الاخوان المسلمين فى المعارضة شىء، لكنّهم فى السلطة شىء آخر مختلف تماما، مختلف حتى عن الشعارات التى كانوا يطلقونها، من يريد دليلا ملموسًا على ذلك يستطيع التمعّن فى حال ثلاثة كيانات عربية يتحكّم بها الإخوان بشكل كلّى.  

هناك أوّلًا كيان اسمه قطاع غزة.. ودولتا تونس ومصر.
جاء الإخوان إلى غزّة عبر انقلاب على السلطة الوطنية الفلسطينية فى منتصف مايو 2007، استخدموا الغدر والعنف للوصول إلى السلطة، واحتكار كلّ السلطة، قتلوا من الشعب الفلسطينى أو تسببوا فى قتل مقدار ما قتلت إسرائيل وأكثر، ذلك من أجل السلطة وتغيير طبيعة المجتمع الفلسطينى المتسامح الذى يؤمن بالانفتاح والعلم وسيلةً لمجاراة إسرائيل وتسخيف طروحاتها أمام العالم.
كلّ ما يمكن قوله الآن بعد خمس سنوات وتسعة أشهر من حكم الإخوان لغزة أن الشعب الفلسطينى شعب عظيم، ما زال هذا الشعب يقاوم المحتل الإسرائيلى، وما يزال يقاوم «حماس» التى تتحكّم فى غزة باسم الإخوان.
أظهر الشعب الفلسطينى فى كلّ مناسبة أنه لن يرضخ، وأنه يعرف تماما ماذا يريد، وأنه إذا كانت إسرائيل انسحبت من كلّ قطاع غزة صيف العام 2005، فإنها فعلت ذلك من أجل الإمساك بطريقة أفضل بالضفة الغربية، بما فى ذلك القدس الشرقية، لعلّ أكثر ما يعرفه الفلسطينيون أنّ إسرائيل تعرف الإخوان جيّدًا، وترى فيهم حليفًا حقيقيًّا، لذلك أعطتهم غزة نظرًا إلى أنها تعرف جيدًا أنّهم سيفعلون كلّ شىء من أجل تبرير احتلال الضفة الغربية ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة «قابلة للحياة» عاصمتها القدس الشرقية.
تعرف إسرائيل أيضا أنّ «حماس» لا يمكن أن تتخلى عن غزة حتى لو تسببت فى قطع رزق كل مواطن فلسطينى مقيم فى القطاع، هناك شبق ليس بعده شبق إلى السلطة، توصّلت «حماس» إلى هدنة لمائة سنة أو أكثر مع إسرائيل كى تضمن سيطرتها على أهل غزة والتحكم بمستقبل أبنائهم، فى غزة لم يعد مسموحًا حتى بمشاركة الفتيات فى سباق ماراثون...
هذا هو المستقبل الذى تريده إسرائيل للفلسطينيين الذين كانوا بين أكثر الشعوب العربية تقدمًا فى كلّ المجالات، والذين حققوا إنجازات فى كلّ الحقول، هنيئًا لها بـ «حماس»، وهنيئًا لـ «حماس» بها، بدل كيان فلسطينى واحد سيكون للفلسطينيين كيانان، أحدهما يتحكّم به التخلّف وتحت حصار مستمرّ فى غزة، وآخر مقطع الأوصال فى الضفة الغربية. هذا ما أنجزه الإخوان فى فلسطين.
فى تونس، لا يمكن إلّا الترحم على زين العابدين بن على، على الرغم من أنه لا يزال حيًّا يرزق، كان على الأقلّ، على الرغم من كلّ مساوئه الكثيرة بما فيها نظامه البوليسى القصير النظر، وغض النظر عن الفساد لدى البطانة والعائلة، حريصًا على الإنجازات التى حققتها المرأة من جهة، وعلى ربط تونس بالعالم المتحضر من جهة أخرى.
كان قادرًا على جلب مستثمرين أجانب، خصوصًا فى مجال الصناعات التحويلية، وعلى توفير الأجواء التى توفّر ازدهار السياحة ونموّها، كانت تونس تتقدم، على الرغم من تقدّم رئيسها فى السنّ، والتراجع المخيف فى القيم لدى العائلة الحاكمة، خصوصًا عائلة السيّدة الأولى.  
ولكن إذا خُيِّرَ التونسيون اليوم بين شرطى ناجح، فى مجال ضيّق جدًّا، اسمه زين العابدين بن على، وبين حكم الإخوان، لكانوا - فى معظمهم- فى صفّ الشرطى السخيف والفاسد الذى يعرف - ولو القليل- عما يدور فى العالم، وعن الاقتصاد والصناعة والزراعة والعلاقات الدولية..
فى مصر كانت سنة واحدة أكثر من كافية لكشف الإخوان، تبين فى ضوء ما نشهده فى مدن القناة وفى القاهرة نفسها أنهم لا يعرفون شيئا عن مصر أوّلا، لا يعرفون شيئًا عن خطورة النمو السكّانى العشوائى، أو عن الزراعة والصناعة والسياحة، ومكافحة الفقر وبرامج التعليم.
لا يعرفون إلا الشعارات، ربّما كان الشعار الأوّل الذى يؤمنون به هو الابتزاز، لذلك ذهب وزير السياحة المصرى إلى إيران للإتيان بسياح إيرانيين يعوض بهم غياب مئات آلاف العرب والأوربيين والأمريكيين، أراد بذلك ابتزاز العرب مستخدمًا الإيرانيين..
إنهم (الإخوان) لا يعرفون حتى أن السائح الإيرانى سيأتى إلى مصر لأهداف سياسية ومذهبية صرفة، لها علاقة بكلّ شىء باستثناء السياحة الحقيقية بكلّ ما تعنيه بالنسبة إلى المواطن المصرى.
ما شهدناه فى غزة وتونس ومصر ظاهرة صحّية بكلّ المقاييس، تعرفنا إلى حقيقة حكم الإخوان، وتعرّفنا إلى ما يستطيعون عمله؛ يستطيعون التخريب فقط، هل هذا ما يريدون عمله فى هذه الدولة العربية الخليجية، أو تلك من منطلق أنّ التخريب يمكن أن يوصلهم إلى السلطة، ويمكن أن يساعد فى الاستعانة بخزينة هذه الدولة الخليجية الغنية من أجل مساعدة الإخوان فى دولة غنية – أصلا- مثل مصر.
نعم، مصر كانت غنية، كانت ولا تزال غنية بالنفط والغاز والسياحة وقناة السويس والزراعة وبعض الصناعات، كان يمكن أن تكون غنيّة بالإنسان لو كان هناك من يفكّر فى التعليم وأهميته ورفع شأنه، بدل الرضوخ لجماعات دينية من طينة الإخوان وما شابه ذلك.
نقلا عن صحيفة "الرأى" الكويتية.

الجريدة الرسمية