رئيس التحرير
عصام كامل

اغتيال المخترع المصري!!


ولأننا طلقنا دولة «العلم والإيمان» بـ«التلاتة»، ومرمطنا التعليم على المذاهب الأربعة، فلم يعد لدينا بقايا ضمير يهتز ونحن نرى فلذات أكبادنا يُذبحون على عتبات البحث العلمي، وفي أروقة مكاتب أجهزة الدولة المختلفة التي تؤمن بأن «العلم يُكيل بالبتنجان»!


سأدخل في صلب الموضوع مباشرة، فالأمر جد خطير، ولا يحتمل اللت والعجن.. الحكاية باختصار أن دولة الإمارات «الشقيقة» تَبنّتْ المخترع المصري الصغير «مصطفى مجدي الصاوي»، البالغ من العمر 17 عامًا، وهو من أبناء مدينة المنصورة بالدقهلية، بعد اختراعه «السد العربي الذكي».

ومثّل مصطفى مصر وجامعة المنصورة في بطولة العالم للمبدعين العرب بلندن بفكرة مشروعه، وهي عبارة عن «إنتاج أكبر طاقة كهربائية متجددة على مستوى العالم، من دمج ثلاث طاقات متجددة مع بعض التعديلات الهندسية في كل مصدر من الثلاثة، بحيث يكون الإنتاج هو 33.1 جيجا في الساعة الواحدة، وعملية تحلية للمياه بتكلفة 20% فقط من التحلية الدولية».

الملفت أنه تمت إعادة اختبار الفكرة أكثر من 27 مرة، إلى أن تم الوصول إلى التجربة النهائية التي تظهر فيها جميع النتائج بالإيجاب، ودرجة النجاح الكبرى، وحصل «مصطفى» على جائزة أفضل باحث عربي على مستوى العالم في المسابقة.

المسئول عندنا - سامحه الله - يتوضأ بماء طهور، ويُصلُّي ركعتين تقربًا إلى الله، قبل أن يغتال مخترعينا بيدٍ باطشة، وبقلم لا يدرك قيمة العلم، وبتأشيرة بلا عودة إلى خارج البلاد.

نحن متخصصون في تربية أبنائنا لغيرنا.. هذه حقيقة لا تقبل الشك أو الإنكار.. نمنح الأعداء قبل الأصدقاء خلاصة أفكارنا وتجاربنا وعقولنا ومواهبنا للآخرين «بلا مقابل»، ودون أن يهتز لنا جفن، أو يتحرك لنا ساكن، في الوقت الذي نتقاتل فيه على الاحتفاظ بلاعبين «نُص لبة»، ونحرص على تشجيع ما يسمى بمطربي المهرجانات، و«العوالم والراقصات» - مع احترامي لشخوصهن، واحتقاري لـ«هَزِّهن»!!

ما الذي يدفع موهوبا مثل «مصطفى» لأن يقبل العرض الإماراتي، ويكفر بالمسؤولين عندنا، قبل أن يكفر بالوطن؟ إنه «الاهتمام»، و«الاحترام»، و«الرعاية»، و«تقدير الموهبة»، والتقدير «العلمي والأدبي».. وهو ما يفتقده مصطفى وأمثاله في مصر.. مصر التي ما زال المسؤولون فيها يركنون دماغهم على أقرب رفٍّ، ويتعاملون مع البحث العلمي على أنه «رجس من عمل الشيطان».. ويبحثون عن حلول لأزمات بلادنا في الخارج، بينما الحلول الحقيقية، وغير المكلفة موجودة بين أيديهم، وتنتظر مَنْ يستفيد بها ومنها.

كم من موهوب مثل مصطفى شاركنا جميعًا في «اغتياله» معنويًا؛ لمجرد أنه فكَّر، واجتهدَ، واخترع أشياء لا تستوعبها عقولنا المحدودة، القاصرة، العاجزة، التي لم تبرح عصر الإنسان البدائي؟

كلنا مسؤولون عن «اغتيال» مصطفى وأمثاله.. المدارس.. الجامعات.. جهات البحث العلمي.. الإعلام الذي تقاعس عن فضح هؤلاء!

في العام الماضي رفض الطالب «عبد الله عاصم - 17 عامًا» العودة إلى مصر بعد ذهابه إلى أمريكا، في رحلة تابعة لمدرسته الثانوية؛ من أجل المعرض العلمي الدولي «إنتل» الدولية للعلوم والهندسة، في مركز المؤتمرات في لوس أنجلوس.. لماذا رفض العودة إلى «أم الدنيا»؟.. أظنكم جميعًا تعرفون الأسباب، التي تتشابك مع أسباب حصول «مصطفى» على الجنسية الإماراتية!

لو كنا في دولة تحترم أبناءها، وترعى مواهبها، لقامت الدنيا ولم تقعد، وأُقيل مسؤولون، يفترض أنهم أمناء على ثروتنا العلمية والتعليمية والبحثية، وتم التحقيق معهم، وحبسهم مدى الحياة بتهمة «الخيانة العظمى»، حتى لو لم توجد مادة في القانون تعاقب على هذه الخطايا الكارثية.
*****

نتيجة حتمية
الدولة التي لا تدرك معنى «النهضة»، لا يمكن لها أبدًا أن تحل مشكلة «سد النهضة»!!
الجريدة الرسمية