رئيس التحرير
عصام كامل

المتاجرة بالأزمات!


هناك إصرار غير مبرر على الجهل.. نعم الجهل، وعدم التعلم من الأخطاء السابقة.. فكثير منا - معشر الإعلاميين - يلجأ إلى «الاستسهال»، «الفهلوة»، و«السطحية» في تناوله لبعض القضايا الحساسة، والأزمات الدولية، بل إن بعضنا يتاجر بها، ويقتات عليها، ولا يرهق نفسه في البحث عن المعلومة، أو التأكد من الحقيقة؛ ليُلزم بها نفسه أولًا، قبل أن يقدمها إلى القارئ، والمستمع، والمشاهد.


أصبحنا نستمع إلى آراء تضرب «المهنية» في مقتل.. تصريحات من بعض المسؤولين تفتقد الدقة.. تحليلات ممن يُطلَق عليهم خبراء إستراتيجيون تفتقد إلى أدنى حد من الإحساس بالمسؤولية، والحس السياسي الواعي.. انتقادات تصل إلى حد السباب والشتائم تدمر العلاقة القائمة بين دول وأخرى.. وفي النهاية نصل إلى نتائج ليست قائمة على معطيات وفرضيات واقعية.

في حادث الطائرة الروسية المنكوبة في سيناء بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ بدقائق، كثر اللغط حول أسباب سقوطها، وتسابق الجميع لأن يدلي بدلوه لوسائل الإعلام، بعد دقائق من الإعلان عن الواقعة.. فهذا أحدهم يُرجع السقوط إلى وجود «خلل في مجموعة الذيل»، وثاني يُرجح «نشوب حريق» في المحركات، وثالث، ورابع، وعاشر.. الكل «يُفتي» دون أن يكون مؤهلًا للفتوى، ولا أن تكون كل معطيات الفتوى متوافرة أمامه.. والنتيجة مزيد من العبث.. ومزيد من الجهل المركب!

وللأسف هذه التغطية «غير المهنية»، جعلتنا أضحوكة العالم، وأنها وضعتنا في دائرة «الشك» طوال الوقت، وكأننا «متهمون»، نحاول إبعاد أدلة «الإدانة» عنا، خاصة بعد استخفافنا بالرأي القائل بتفجير الطائرة بواسطة عمل إرهابي، وهو ما اتضح بعد ذلك.

والمفاجأة عندما قالت روسيا إن سقوط الطائرة يأتي «ضمن سلسلة حوادث إرهابية يشهدها العالم».. هنا كان يجب علينا التقاط طرف الخيط أولا، وكنا أوْلى بهذا التصريح من روسيا.. فالإرهاب ظاهرة عالمية ساهمت كل دول العالم بصورة مباشرة أو غير مباشرة فيه، وإن كان لدينا تقصير - أي تقصير - فيجب الاعتراف به بكل شفافية، ثم نعالجه، ونتخذ من الإجراءات الكفيلة بالقضاء عليه أو الحد منه، وهذا أضعف الإيمان.

وما تغطية حادث الطائرة الروسية إلا نموذج مصغر من «الفجاجة»، و«الهرتلة» الإعلامية.. ففي حوادث متعلقة بتفيجرات إرهابية، نقرأ، ونسمع، ونشاهد العجب العجاب.. فمراسلو المواقع الإخبارية، والمحطات الفضائية يتسابقون فيما بينهم لتقديم أخبار وتصريحات «مِشطْشَطة»، من خلال إفساح المجال لما يسمونهم «شهود عيان» لا علاقة لهم بالحادث.. فهذا «ابن خال عم ابن أخت الإرهابي»، وذاك هو «المكوجي» أو «البقال» الذي كان يشتري منه الضحية، وتلك سيدة مكلومة تُولول ويعلو صراخها على الضحايا أمام الكاميرات ليشاهدها الناس على شاشات التليفزيون.. وينتهي المشهد العبثي، ويبقى الحزن لأهالي الجاني والمجني عليه على السواء.

في كل حادث نتسابق على إحراز «السبق»، و«الانفراد»، على حساب الحقيقة.. الحقيقة التي أصبح بعض الإعلاميين يضعونها في مؤخرة اهتماماتهم.. فهل يعود عصر «المهنية»، أم سنظل نحرز تقدمًا نحو الهاوية؟!
الجريدة الرسمية