رئيس التحرير
عصام كامل

توجهوا جنوبا.. يرحمكم الله


"The race for Africa".. السباق نحو أفريقيا.. عنوان مقال في موقع "ArabianBusiness.com".. يكشف النقاب عن أن القارة السمراء صارت الوجهة الاستثمارية الأكثر جاذبية على مستوى العالم بعد أمريكا الشمالية؛ حيث تدفق نحو 60 مليار دولار على 54 من اقتصاديات دول القارة، بما يمثل 5 أضعاف ما كان عليه الوضع عام 2000 - حسب البنك الدولي.


الصين، المعروفة بمرونتها الفائقة باتجاه مناطق الاستثمار في العالم، كانت هناك قبل الجميع، حفرت لأقدامها موطئ قدم راسخة بسرعة في التربة الأفريقية، وبلغ حجم التجارة بينها وبين دول القارة ضعف مثيلها مع الولايات المتحدة.

خطأ الدول الأوربية الكبرى، والولايات المتحدة أنها سبقت الصين سياسيا وعسكريا، فيما كان التميز الصيني بالتركيز على الاقتصاد، والمشروعات التي تلائم الاقتصادات الأفريقية الناشئة، التي تجتذب أكبر قدر ممكن من الأيدي العاملة، كثيفة العمالة.

"أرابيان بيزنس" أزاحت الستار عن بعض الأسماء لرجال أعمال اخترقوا الجنوب الأفريقي، وحققوا نجاحات كبيرة، مثل: محمد منصور، وسونيل فاسواني، وأشيش ج. تاكر ومحمد العبار.. أثبتوا أن الأوضاع هناك تستحق المجازفة.

بدوره يسلط بيل جيتس، أغنى رجل ومؤسس مؤسسة "بيل وميليندا جيتس" في العالم، أيضا الضوء على "فرص لا تصدق" في أفريقيا.. يقول: "هناك 400 مليون مسلم يعيشون في فقر مدقع، وكثير منهم في أفريقيا.. الحكومات تريد أن توفر لهم المعايير الأساسية للمعيشة.. الرعاية الصحية والتعليم والمياه النظيفة، والأمن الغذائي والحصول على الطاقة.. لكنهم يفتقرون إلى الموارد، حتى مع المساعدات التنموية.. لكن أفريقيا لا تحتاج إلى المال فقط، إنها تفتقر إلى الخبرة والدراية، هذا يمثل تحديات مختلفة، وربما أكثر أمانا.. أفريقيا تصرخ طلبا للمشورة في مجالات تشمل التنمية الحضرية، وكيفية استغلال إمكاناتها السياحية الهائلة والتصنيع والطيران".. التجارة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تمثل حاليا 2٪ فقط من إجمالي التجارة العالمية.

التجربة الناصرية في أفريقيا جديرة بالتأمل، وإعادة التقييم.. فقد كانت هناك مساندة حركات التحرر.. والمد التوعوي للأزهر.. وشركة النصر للتصدير والاستيراد.. والحضور القوي للقيادة السياسية، والدبلوماسية في المحافل، والمناسبات، والمنظمات الأفريقية.. كلها تراجعت بصورة واضحة.. حتى الكنيسة الأرثوذكسية تراجع دورها كثيرا.

في جامعة القاهرة هناك معهد البحوث والدراسات الأفريقية، كانت له يد طولى في القارة السمراء.. جاء ذكره في بيان "30 مارس"، وخلال دراستي فيه لعامين، التقينا بالعديد من الدبلوماسيين والنشطاء الأفارقة، والدارسين في مختلف الجامعات المصرية.. أين هو الآن؟!.. لماذا نقصر توجهاتنا على الناحية الشمالية، رغم ندرة الفوائد العائدة علينا؟!

تحديات الأمن القومي تفرض علينا الانتباه لما يجرى جنوبا.. وتقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية بدول القارة السمراء.. ويكفينا أزمة "سد النهضة" التي لن تحل في الشمال أو الشرق أو الغرب.. فقط الحل في الجنوب.. واسألوا الدكتور بطرس غالي، مهندس العلاقات المصرية – الأفريقية، الذي تجاهلناه طويلا، هو وتلاميذه، فكانت الكارثة في إثيوبيا.. بدءا من أوغندا؛ حيث شهدت عام 2010 توقيع اتفاقية "عنتيبي"، التي دقت المسمار قبل الأخير في نعش العلاقات مع إثيوبيا، وتعتبر استهلالا لفترة عصيبة في التاريخ المصري، وحياة المصريين التي تعني لها مياه النيل شريانا حيويا.

وبعدها عام 2011 انفصل الجنوب السوداني.. حدثان في منتهى الخطورة يجبران مصر على الانتباه لما يجرى قرب الحدود الجنوبية.. افتحوا عيونكم على أفريقيا.. واتجهوا جنوبا يرحمكم الله.
الجريدة الرسمية