رئيس التحرير
عصام كامل

حوار مع الرجل الذي أخذ بثأر السيسي


في خطابه الأخير بالندوة التثقيفية للقوات المسلحة.. أبدى الرئيس عبد الفتاح السيسي امتعاضه الشديد من أداء الإعلام، والفضائيات بوجه خاص.. وعَرَّج على التجاوزات غير الأخلاقية قائلًا: "ما يصحش كده، والله الأمر ده لا يليق، ما يصحش نعمل كده في بعض".


ولأنني ليبرالي الهوى.. بل من متجرعي كأس الليبرالية حتى الثمالة.. انحزت للوهلة الأولى لحرية الرأي.. بيد أن الأمانة اقتضت أن أكون موضوعيًا.. كررت مطالعة ما نشرته الصحف، وما بثته الفضائيات إبان الحوادث الأخيرة وما قبلها.. فاقتنعت بأسباب امتعاضه، إذ بلغت التجاوزات أحيانًا حدودًا فوق طاقة القبول والاحتمال.

استعرَضْتُ الإعلام.. ثم دخلت في حالة صمت وتأمل.. وبينما أنا على هذا الحال.. ارتسمت على وجهي ابتسامة خفيفة، ما لبثت أن اتسعت شيئًا فشيئًا.. وإذا بي أطلق ضحكة مجلجلة عجزت عن كبح جماحها، إذ طاف بذهني الشاعر الإيطالي الشهير "دانتي أليجييري" صاحب الملحمة الشعرية المبهرة "الكوميديا الإلهية" التي كتبها في القرن الرابع عشر الميلادي، ما بين عامي 1308م و1321م، ووصف فيها مشاهد من الآخرة متأثرًا بما ورد بالديانة المسيحية وفلسفات القرون الوسطى، في فصولها الثلاثة "الجحيم ــ المطهر ــ الفردوس".

سَكَنَتني الملحمة، فشَدَدْتُ الرِحال إلى إيطاليا.. وصلت مدينة فلورنسا، والتقيت به تحت تمثاله الشهير هناك.. قلت له: بوناسيرا سنيور دانتي" بوناسيرا أي مساء الفل بالطالياني"؟.. رد: بوناسيرا أميكو "أي يا صاحبي"، ودعاني للجلوس بجانبه.. عرفته بنفسي: صحفي من مصر.. ممكن حوار سريع؟.. وافق الرجل.. قلت: لندخل في الموضوع مباشرة بلا رَغْي.. قال موافق.

طرحت عليه ملخصًا لتاريخ الإعلام من أول مدرسة جوزيف جوبلز وزير إعلام هتلر، وحتى الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين الآن، ثم قلت له: حدثني عن ملامح الإعلام في الآخرة بحسب ما رأيته يا سنيور دانتي؟.. فرك الرجل ذقنه بأصبعي السبابة والإبهام وهمهم قليلًا ثم قال: دعني أصحبك في جولة سريعة للآخرة لأطلعك على حال الإعلام هناك حتى اليوم بحسب الملحمة.. قلت: هيا.

صعدنا معًا إلى الآخرة.. أمسك الرجل بيدي ودلفنا إلى جهنم أو "الجحيم" كما ورد بملحمته.. أشار دانتي بيده إلى أعلى وقال: انظر.. تطَلَّعْتُ وإذا بي أجد لافتة لم أر أضخم منها في حياتي مكتوبًا عليها بأحرف من نار طبعًا "مدينة الإنتاج الإعلامي"..سألته: هل يقتصر الإعلام هنا على تلك المدينة؟.. قال: لا يا عزيزي.. الإعلام هنا مزدهر والإعلاميون هم أغلب نزلاء جهنم، لذلك تجد تنوعًا وتوهجًا في وسائل الإعلام.. جذبني إلى منطقة أخرى وقال هنا شارع الصحافة، ثم أخذ يشير إلى لافتات ضخمة على واجهات أبنية كبيرة، ويقول: هذه جريدة "النار اليوم".. وهذه صحيفة "السعير" اليومية أسبوعية مؤقتًا... وأشار إلى لافتة بعيدة وقال وهذه مجلة أنا "والعذاب" وهواك، مجلة فنية متخصصة.. وهذه جريدة "جهنم الصفراء" ترخيص قبرصي.. ثم التقط من الأرض قصاصات صحف عليها صور عارية وقال هذه أعداد تجريبية من مجلة "سكس" جديدة.. ثم أشار إلى مبنى يغطي واجهته تراب فُرْن وقال وهذه صحيفة "آراب نيوز" صحيفة نصف قرنية تصدر كل خمسين سنة ومع ذلك دائمًا تتأخر في الصدور.

اكتفيت بهذا القدر من الجولة التي تعرفت خلالها على ازدهار الإعلام في جهنم.. وقلت لدانتي هيا نتعرف على حال الإعلام في الجنة.

سحبني من يدي ودخلنا إلى الفردوس.. طفنا طويلًا من مكان إلى آخر وما أروع الطراوة بالفردوس.. ثم سألته: يا سيد دانتي.. ألا تلاحظ أننا لم نعثر على أي قناة تليفزيونية ولا أي محطة إذاعية ولا أي صحيفة هنا في الجنة على عكس ما رأيناه في جهنم؟!.. قال دانتي: نسيت أقول لك يا عزيزي.. للأسف الشديد لا يوجد صحفي ولا إعلامي واحد في الجنة.. كلهم في جهنم كما رأيت.
شددت على يده مصافحًا وقلت: جراتسي ميلا "ألف شكر" سنيور دانتي.. لقد أثلجت صدر الرئيس.
الجريدة الرسمية