رئيس التحرير
عصام كامل

تورط «صافيناز» في حادث الطائرة الروسية!


مع كل حادث في مصر يأخذ الطابع الدولى يتطلب إعلاما قويا مهنيا يدافع عن الدولة، تقدم وسائل الإعلام المصرية دليلا جديدا على الافتقار للمهنية، وعدم القدرة على التصدي لأي هجمة غربية، ومنذ حادث سقوط الطائرة الروسية المنكوبة فوق سيناء، نجح الإعلام الغربي في كشف عورتنا، وجعل المتابع يشاهد مناورات صحفية أشبه لحد كبير بمباراة كرة قدم جمعت بالصدفة بين فريقى برشلونة وغزل المحلة.


تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الذي تحرجت المواقع والصحف المصرية عن ترجمته لما يحتويه من حملة نقد ضد وسائل الإعلام المصرية، أشبه بجرس إنذار لحالة الترهل والتدهور المهنى التي أصابت الجميع، وقالت "نيويورك تايمز" دون تجميل "الإنكار ونظريات المؤامرة بالنيابة عن النظام شيء عادي في وسائل الإعلام بمصر"، مذكرة بتاريخ حافل من النفاق للسلطة وغياب المهنية.

صحيح أن الغرب شن حملة غير مسبوقة مستغلا حادث الطائرة لفتح الملفات الحرجة، تدحرجت من فكرة الصاروخ إلى القنبلة، ثم نقلتنا إلى تفجير فضيحة فساد مكتومة متعلقة بأجهزة الكشف عن القنابل في فنادق مدينة شرم الشيخ، وأخيرا ذهبت مباشرة للهدف الرئيسى "سيناء" وفتحت شبكة "سي إن إن" ملف الإرهاب مطالبة في تقرير مشبوه بتسليح القبائل، لمواجهة خطر "داعش"، بالإضافة إلى ملف معتبر عن انعدام القدرة التسليحية لقوات حفظ السلام بشبه الجزيرة، نجحت وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية في شن هجمة منظمة بداية من خط الدفاع ثم تمرير الكرة بمنطقة خط الوسط وتقف أمام المرمى الآن في انتظار تسجيل الهدف.

وسط هذا المعترك اكتفينا نحن بتبنى نظرية المؤامرة ولم ينشغل أصحاب الصوت العالى فوق "كنبة" الفضائيات، وخرج البعض يسب ويلعن في رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، والرئيس الأمريكى باراك أوباما، في "حفلة ردح" تشعرك بأن البيت الأبيض متابع جيد لبرامج "التوك شو" المصرية، وانتفاض "10 داوننج ستريت" في بريطانيا خوفا من العناوين التي تصدرت صدر الصفحة الأولى بالصحف المصرية.

وكالعادة خرج علينا الخبراء الذين يتم اختيارهم بناءً على العلاقات الشخصية مع المعدين ومقدمى البرامج، بحديث فارغ من المضمون ونظريات تتناسب مع انفجار عربة "نصف نقل" على طريق القاهرة –أسيوط، الغربي، لا تتناسب مع حادث جلل بهذا الحجم.

التليفزيون الرسمى للدولة هو الآخر حدث ولا حرج، انشغل بنفاق النظام المصري وامتد نفاقه إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بطريقة تشعرك بأن "الكرملين" الروسي يضعه في قائمة المفضلات مع قنوات المصارعة.

غابت عن الخريطة الإعلامية توعية الشعب والنظام أيضا لكل الاحتمالات في ظل استبعاد فرضية العمل "الإرهابي"، بالرغم من وضع الجهات الرسمية لها في الاعتبار.. لم نتطرق إلى سيناريوهات ما بعد الأزمة وكيفية معالجتها واكتفينا بترديد الشعار الذي دمر الحضارة المصرية "كله تمام".

ماذا سيكون موقفنا حال أثبت التحقيقات وقوع عمل إرهابي تسبب في الكارثة؟
وما المنتظر ضدنا دوليا حال ثبوت ذلك؟
وكيف نتعامل مع الحدث بالشكل القانونى حينها؟
أسئلة كثيرة لم يبادر الإعلام المصري بفتحها لرسم خارطة طريق تخرجنا من نفق "لوكيربى" الذي دخله الزعيم الليبي السابق معمر القذافى لأعوام مكنته موارده المالية بالخروج منه على ضوء شمعة.

وإلى متى تتحكم في عقول وتوجيه الرأي العام نخبة إعلامية لا تجيد الاحتراف المهنى سوى في التحدث عن فضائح الراقصة "صافيناز"؟

لنضع العمل الإرهابي في الاعتبار.. لسنا الدولة الوحيدة التي تتعرض لهذا العمل، أمريكا ذاتها خرجت الطائرات من مطاراتها واستهدفت مركز التجارة العالمى والبنتاجون.. اخترق تنظيم القاعدة أنظمة مطاراتها وسيطر على طائرتها وانتهك سيادة أجوائها في وضح النهار.. فرنسا لم تسلم من هذه النوعية.. طائرة ماليزية مختفية العالم يبحث عنها مثل "الإبرة في كوم قش".. ما الهدف من دفن رءوسنا في الرمال وإنكار التعامل مع واقع مكروه، نتمنى أن تثبت الحقيقات فيه البراء؟

ربما تكون هناك مؤامرة تستهدف أمننا القومى، لكن الهرولة خلفها وترك الواقع دون معالجة استباقية مؤامرة أكبر في حق الوطن والمواطن.. وعلينا الآن ترك التحقيقات للأجهزة الرسمية، والسماح لها للعمل في هدوء ما دمنا لا نملك القدرة على الدفاع، في ظل نشر مقاطع فيديو مزعومة من داخل طائرة انشطرت في السماء، دون عناء طرح سؤال حول مصادر هذه المقاطع رغم علمنا باحتراق الطائرة وانشطارها في السماء وعدم العثور على هواتف محمولة بموقع الحدث.. ولتحقيق أعلى نسبة مشاهدة على إعلامنا الريادي اتهام الراقصة "صافيناز" بالتورط في حادث إسقاط الطائرة.

الجريدة الرسمية