رئيس التحرير
عصام كامل

كاتب التاريخ وشخصية رئيس الدولة (2)


قد يقلل البعض من أهمية تقييم كاتب التاريخ لشخصية رئيس الدولة، وقد يرى آخرون أن رؤية كاتب التاريخ لا قيمة لها، على اعتبار أنه في النهاية يكتب تاريخا لم يعشه، وأنه إذا كان يسجل واقعًا فإن تقييمه لشخصية رئيس الدولة تتوقف على وجهة نظره نحو الرئيس.


وأيًا كانت رؤيتك لأهمية من يقـيّـم شخصية رئيس الدولة من الناحية التاريخية، فإن روبرت ماري مؤلف كتاب "أين يقفون.. الرؤساء الأمريكيين في عيون الناخبين والمؤرخين"، يؤكد أن هناك إجماعا بين مؤرخي الولايات المتحدة الأمريكية على الرؤساء الذي تركوا علامة بارزة في التاريخ الأمريكي.

يتحدث روبرت ماري عن أهمية شخصية رئيس الدولة فيقول: "عندما يملك الرئيس مشاعر الشعب الأمريكي، يكون قويا جدًا، ولكنه لا يستفيد من هذه القوة إذا لم يستطع توجيهها بشكل مؤثر"؛ لتعظيم قدرات الدولة.. فتأثير "الشخصية" التي يتمتع بها رئيس الدولة، هي السمة التي دائما ما تكون حاضرة في ذهن الشعب بشكل عام، والمؤيدين لرئيس الدولة بشكل خاص، في جميع المواقف أو الأزمات التي تواجهها الدولة.

الأهمية التي تحظى بها "شخصية الرئيس" جعلتها أكثر المعايير وزنًا في نظر كاتب التاريخ.. فمن بين القواعد العشرة التي حددها المؤرخ الأمريكي ريتشار نورتون سميث، المتخصص في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، لتقييم رئيس الدولة، حدد المؤرخ الأمريكي خمس قواعد جميعها ترتبط بتأثير شخصية الرئيس.

القاعدة الأولى تقول: إن قوة الرئيس رائعة على الورق، ولكنه يكتسب قوته الحقيقية من سلطته الأخلاقية أو الشعبية.. يشرح المؤرخ الأمريكي ريتشارد سميث، هذه القاعدة فيقول إن الرئيسين فرانكلين روزفلت، ورنالد ريجان استخدما سلطاتهما الأخلاقية لإنجاز أهدافهما، رغم أن هذه الأهداف كانت تبدو متعارضة.. فروزفلت أطلق نقاشا اجتماعيا شاملا حول مجموعة من البرامج المحلية التي أطلق عليها – الاتفاق الجديد – New Deal، وذلك بين عامي 1933 و1938؛ لمواجهة الركود الذي أصاب الولايات المتحدة الأمريكية، وركزت هذه البرامج على ما أطلق عليه المؤرخون 3Rs (التخفيف – التأهيل أو العلاج – الإصلاح).

في حين اكتسب الرئيس رونالد ريجان شعبية هائلة وثقة كبيرة، بعد محاولة اغتياله التي أدت إلى إصابته برصاصة في 30 مارس 1981.. يقول المؤرخ ريتشادر سميث إن "أسطورة" ريجان بدأت عندما شاهد الملايين الجانب الإنساني للرئيس الذي اعتقدوا أن ريجان لا يملك أيا منه.

أما القاعدة الثانية فتقول: إن الرئيس الناجح هو الرئيس الذي يستخدم قدراته لخلق خصوم مفيدين، وفي هذا الشأن يقول ريتشارد سميث إن التاريخ يسطر أسماء الرؤساء الذين تمكنوا من اكتساب قوة أكبر بفضل خصومهم.. ويقول المؤرخ إن من بين الرؤساء الأمريكيين الذين استفادوا بذكاء من خصومهم "روزفلت وريجان".

وترتبط القاعدة الثالثة بقدرة الرئيس على أن يقلل من تدخله في كل شيء، وأن يقلل من ظهوره الدائم.. فالرئيس الأمريكي رونالد ريجان، أسس لقاعدة تقول إن القادة العظماء يكتنفهم الغموض.. وقد شرح هذه القاعدة مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي رونالد ريجان قائلا: "إن ريجان كان يعرف القليل، لكنه ينجز الكثير"، في إشارة إلى أنه لم يكن يسمح لشخصيته بالتدخل في كل كبيرة وصغيرة.

في حين أن القاعدة الرابعة ترتبط بمواجهة الأزمات، وتؤكد أن الرئيس الناجح هو الذي يحول التحديات التي يواجهها أثناء الأزمات إلى فرص للتلاحم العاطفي مع الشعب، بما يمنحه قوة أكبر وزخما جماهيريا أوسع.. وقدم المؤرخ الأمريكي ريتشارد سميث، الرئيس لينكولين كنموذج؛ لأنه قام في يوليو من عام 1862، بالموافقة على قرار أصدره الكونجرس في يونيو 1862، بحظر الرقيق من جميع الولايات الأمريكية، في مخالفة للدستور الذي لا يعطي الحق لسلطة الحكومة الفيدرالية لإنهاء "الاسترقاق"؛ حيث كان لكل ولاية دستورها الخاص، ولكن الأمريكيين لم يخالجهم الشك - وفق تعبير المؤرخ – في قرار الرئيس، الذي إن كان قد أعطى للحكومة الفيدارالية حقا لا تملكه في تعطيل مادة في الدستور ترتبط بأحقية كل ولاية في تنظيم شئونها بما في ذلك الرق، فإن ذلك كان بهدف حماية الدستور كله.

أما القاعدة الخامسة فتشير إلى أن شخصية الرئيس تؤثر على رؤية مؤيديه لقراراته، فتقييم القرارات التي يتخذها رئيس الدولة ترتبط بمن يفسرها ويحللها، وليس ضمانة على صحتها.. فشخصية الرئيس قد تدفعك للدفاع عن قرارات تراها حكيمة؛ لأنك تثق في رئيس الدولة.

ويشرح المؤرخ الأمريكي ريتشارد سميث هذه القاعدة فيقول إن تقييم القرارات كالجمال، يتوقف تقييمه على من يراه.. ويضيف أن السياسة الاقتصادية والاجتماعية المتحفظة، كان لها "أيامها الرائعة" أثناء ولاية الرئيس ريجان، ولكن عيوبها ظهرت عندما أعلن الرئيس بيل كلينتون، أن عهد الحكومة المتضخمة قد انتهى وقدم موازنة متوازنة، فما رآه البعض جيدا في عهد ريجان، انتهى بأزمة اقتصادية عصفت بالكونجرس، الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون، وجاءت برئيس وكونجرس ديمقراطيين.

تاريخ رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، يؤكد أن نجاح الرئيس لا يرتبط بطول فترة حكمه، ولكن بمدى الزخم الشعبي الذي يمتلكه في قلوب الناس.
الجريدة الرسمية