رئيس التحرير
عصام كامل

الإعلام المصري.. متى يعود إلى رُشده!


ما فتئ الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ توليه المسئولية في الثامن من يونيو العام الماضي، خلال اجتماعاته ولقاءاته العديدة مع الإعلاميين المصريين وأثناء خطاباته المتتالية، أن يوجه الرسائل الواحدة تلو الأخرى، إلى الإعلام المصري الذي تجاوز كل مبادئ وأسس الإعلام المهني والأخلاقي، وتهاوى في بئر سحيقة من الفوضى والانفلات الهدام، الذي يزلزل أسس الدولة والمجتمع؛ لما للإعلام من قوة وتأثير في البناء والهدم.


وها هي رسالة الرئيس السيسي الأخيرة خلال الدورة التثقيفية للقوات المسلحة، يوم الأحد الماضي، التي انتقد فيها وسائط الإعلام التي تسيء للدولة، قيادة وشعبًا وحكومة، بدون حق، مُطالبًا الإعلام بتنمية الوعي لدى الشعب وبث الأمل في نفوس المواطنين.

هذه الرسالة تؤكد مرة أخرى "الحالة المُزرية" التي وصل إليها إعلامنا على أيدي بعض الإعلاميين وأدعياء الإعلام وبعض رجال الأعمال.

وفي اعتقادنا أن الرئيس السيسي لم يهدف من كل رسائله، التضييق على حرية الرأي والإعلام، بل يصبو إلى التزام الإعلاميين بالمهنية والمصداقية والارتقاء بالرسالة الإعلامية، وأن يقوم الإعلام بدوره في تنوير المجتمع وزيادة وعيه، بدلًا من أن يكون أداة لنشر الجهل والكراهية والتحريض، وأن يكون النقد للبناء وليس للهدم.

إن مأساة الإعلام المصري ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، بل هي ممتدة الجذور والسنوات؛ حيث لعب الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، الرسمي والخاص، في عهود سابقة دورًا رئيسيًا في "تجهيل المجتمع" ونشر ثقافة الخرافة وبث الفرقة بين أفراد الشعب؛ إذعانًا للسلطة وموالاة لها.. وها هو اليوم يقوم بأدوار "مشبوهة" ويعبث بأمن البلاد والعباد، ويبث الشائعات بين جنبات المجتمع، ويحرض المواطنين ضد مؤسسات الدولة خاصة مؤسسة الرئاسة.

لقد فتحت الفضائيات الأبواب على مصراعيها للفضائح والسباب والشتائم، ولبرامج الجنس والشذوذ والدجل والشعوذة والعفاريت، وأقصت قضايا ومشاكل المجتمع ومناقشتها ووضع التصورات والبدائل لحلها.. وقد أمسى الإعلاميون وأشباه الإعلاميين "يصفّون" حساباتهم مع بعضهم البعض عبر تلك الفضائيات، وينشرون غسيلهم غير النظيف على الشاشات أمام المشاهدين، دون خجل أو "كسوف" ودون وازعٍ من دينٍ أو ضمير!

إن انهيار الإعلام إلى هذه الدرجة غير المسبوقة في تاريخ الإعلام المصري، لم يكن ليحدث لولا غياب القانون الرادع للمخالفات الإعلامية أو بالأحرى "الجنايات"، وشعور أنصاف الإعلاميين بأنهم في مأمن من العقاب، فزادوا في غيهم وواصلوا انتهاكاتهم لكل القيم الإنسانية والمجتمعية والإعلامية، وأيضًا لغياب ميثاق شرف إعلامي يحفظ للجمهور حقوقه واحترامه، ويُلزم الإعلاميين بمبادئ وأخلاق المهنة، وفي الوقت ذاته يحفظ حقوقهم في المعرفة وحصولهم على المعلومة الصحيحة.

إن سرعة تشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ربما يكون الحل الناجع لعودة الإعلام المصري إلى رُشده، وإدراك الطريق الصحيح، وإلى حين تشكيل هذا المجلس، يجب تفعيل القانون إزاء الجرائم الإعلامية التي تُرتكب جهارًا - ليلًا ونهارًا - في حق الدولة والمجتمع.
الجريدة الرسمية