رئيس التحرير
عصام كامل

ما لا يلمع ليس خردة بالضرورة


أنا مع الأدب تعاطيًا وقراءة، وأتبنى مقولة "يوسا" بأن الأدب هو أفضل ما تم اختراعه للوقاية من التعاسة. الجوائز هي أحد التعبيرات عن الحفاوة بالأدب. جوائز الأدب تتسيد المشهد، وتتوارى خلفها على استحياء وتواضع جوائز الفكر الأخرى، بما يُعطي الانطباع بأن العرب لا ينتجون من الفكر والإبداع إلا ثالوثهم، المعاصر: الرواية، القصة، والشعر.


ألا تحتاج الجوائز إلى رسم خارطة توزيع جديد، عادلة؟ رسمٌ جديد تحدّده المعايير الوظيفية لها. تَحوّلنا في كثير من مضامير الفن والأدب من العوَزْ إلى الامتلاء. وتمكنت الجوائز قيمة واسمًا من تغطية ذلك الامتلاء. في الرواية ثمة أسماء نافرة بعبقريتها، وسّعت فضاءاتها إلى حدود السماء، وثمة في القصة والشعر ألق يتجدد مع كل مجموعة وديوان. الجوائز دعمت المنجزات إياها. قد تكون اُبعدت عمن يستحقها وذهبت لمن لايستحق. لكن بقي أثرها طيبًا. قدّمت لمن يستحق من الفائزين" منحة تفرغ" تحرروا خلالها من ضغط اليومي.

لنتفق قبل أن نمضي. الجوائز لا تصنع قامة إبداعية. يوما ما لم يفز "ماركيز" بجائزة تقدم إليها، فسأل عما إذا كان الأديب الأرجنتيني "بورخيس"، عضوًا في لجنة التحكيم، ولما عرف بغيابه فرح كثيرًا، فلو كان بورخيس حاضرًا ورفض روايته فهذا يعني أنها لا تستحق الجائزة فعلا. بعض من حُجبت عنهم أطول من أطول نخلة، ولا يقلل التوصيف من قيمة الجوائز المعنوية أو المادية، ولأمن أعضاء لجان تحكيمها، ولأمن الفائزين بها، هو توصيف يُوجِد مكانه في سياقات الحديث الملتبس،العام والخاص، عنها.

الكثير من تجليات المجتمعات العربية أصابها العدم، وتحتاج إلى إيقاظ الاهتمام بها. من فكّر بجائزة للذين يكافحون الفقر والتسرب من التعليم في أحزمة بؤس المدن العربية، ولمن يعملون على منع الرق في موريتانيا، ويمكّنون المرأة في المجتمعات العربية، من أغدق يومًا على المدافعين عن الآثار والبيئة؟

الجوائز المتعلقة بالإبداع المكتوب تثير ما تثير من تحفظات وحساسيات عند الجمهور، حولها الكثير من الالتباس، لكن ذلك لا يعني عدم مقاربتها على نحو يتيح وضعها في سياقات أرحب، أكثر شمولا، فحياة الشعوب تنضجها تجارب أبنائها في جغرافيا الحياة المتنوعة، المختلفة، ولا تنضج بالأدب وحده، وهو ما تُرصد له مجمل الجوائز، ولعله، ينفرد بتغطية إعلامية أكثف، تضيف إليه أبعادًا من الانتشار والجاذبية. لنجدول جوائزنا وفق حاجاتنا الثقافية والاجتماعية، بحيث نجعلها محفّزا في القطاعات الخلفية. آن أن ننحت بصمات جديدة في جوانب مغايرة.

إذا كان مبرر الجوائز بعث الحيوات في القطاعات الثقافية الضامرة، أو منحها فيضًا يُصّدرها المشهد، فثمة مطارح عمل فكري واجتماعي لم تطأه أقدام الجوائز المتوهجة بعد. ثمة من يستحق دبيب الحياة الجوائز في أوصاله. الكثير من تجليات العمل الاجتماعي تغيب عن وهج الجوائز، رغم أن مُؤدّاها العام يصب في إضافة لبنة نهوض في المجتمعات العربية الغارقة بين ركودٍ ودم.
الجريدة الرسمية