رئيس التحرير
عصام كامل

الفساد والفاسدون والدولة العميقة


أصابني الإحباط وأنا محاط بكل أنواع الفساد وأرى الفاسدين ينعمون بفسادهم وقد أصبحوا قدوة للجيل الجديد من الشباب، ومن هنا بدأ ناقوس الخطر يدق فوق رءوسنا جميعا، ولكن يبدو أننا فقدنا آذاننا فما عدنا نسمع، أو ربما ترجمنا دقاته على أنها دقات الفرح والابتهاج، حتى بدأ الجميع يرقص مغمض العينين، ومازال الرقص مستمرا؛ حيث يرقص الراقصون على جثث من تعبوا من الرقص وماتوا رقصًا.


ولكن لأن (ولا يغيرُ الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فلو فتحت ملفات الفساد على مستوى الجهاز الإداري في الحكومة في بعض الوزارات بعينها، لدخل الكثير السجون، وستظهر مشكلة أمامنا بأننا في احتياج إلى مساحات شاسعة لبناء سجون تَسع هذا الكم الهائل من الفاسدين، غير نفقات سجنهم التي تفوق ميزانية الدولة نفسها.

والمشكلة تتفاقم؛ لأن هذا الفساد يتوارثه جيل بعد جيل حتى أصبح جزءا من المنظومة ومن حياة الشعب.. فهل المشكلة في المسئول؟.. أم في النظام الإداري؟.. وكيف نحصل عليه؟

تطوير هذا النظام يحتاج إلى مليارات، فالتطوير ليس تصريحا وليس موظفو الدولة يمكن تحريكهم كقطع الشطرنج.. بالطبع لا.. فهم من يشكلون أي قرار وهم من يفعلونه أو يضعونه في الأدراج ويساعدون في إفشاله.. عددهم ليس بالعدد الهين، فهم ملايين من البشر مستقرون في وضعهم، ويطالبون بتحسين أحوالهم المالية غير مستعدين لتقبل مهام وظيفية إضافية، فالتحسين الوظيفي في نظرهم يعني فقط رفع رواتبهم وحوافزهم بلا شروط.

وهناك حكومة تتمثل في وزراء لا تريد فتح ملفات ربما تثير عليهم مشاكل هم في غنى عنها.. فالوزير الجيد هو من لا تحدث مشاكل في وزارته.. ويستمر الحال كما هو.. وكذلك المدير الجيد.. فمن يريد التغيير كأنه يحمل كفن وظيفته بيده.. فلمَ المخاطرة ولمن؟

وهناك شعب له انتماءات مختلفة متناحرة، فلا يستطيع الوطن الغالي أن يوحد صفوفهم، وهناك إعلام المصاطب وبرامج الفَسحة - بفتح الفاء - لا يعنيها غير شواذ الأمور لتظهره على أنه ظاهرة، فيزيد عدد المشاهدين وتزيد الإعلانات ويزيد دخل المذيع الذي يصل بالملايين على حساب من يشاهدونه أنفسهم.

وتحاط مصر بكثير من الأعداء يريدون هدم قوائم البلد وهي الجيش والشرطة والقضاء، والإبقاء بالطبع على المؤسسات الفاسدة، والغريب أن من يفعل هذا إعلاميون مصريو الجنسية.. للأسف مأجورون يجاهرون بخيانتهم للوطن ويبثون سمومهم من خارج مصر.. هذا بالإضافة للنقد اللاذع وقعدات الفسحة - بفتح الفاء - التي نشاهدها يوميًا في كثير من القنوات، ويبررونها بأنها حرية الإعلام، فكلهم لا يعرفون عن الإعلام شيئا.

ضعفت الصحافة وانهار الإعلام، وما عدنا نشاهد غير حلقات ردح وخناقات وألفاظ بذيئة، وأصبح هذا هو مفهوم الإعلام الذي يفهمونه، ليتوارى كل شيء راقٍ في حياتنا..

فهل بعد كل ما ذكرته أفتح النار على الفاسدين؟.. أم أكتفي بفضح الفساد نفسه؟.. أم أمتنع عن الكتابة والكلام حتى لا أصاب بالجنون والهذيان؟

فلي ولنا الله ولك الله يا مصر حماك الله ورعاك..
الجريدة الرسمية