رئيس التحرير
عصام كامل

ومن سيحكم «حماة الديار» في سوريا؟


اجتماع جديد في فيينا بمشاركة السعودية وإيران لأول مرة، الجبير وزير خارجية المملكة يعلن بوضوح أن الأسد ليس له مكان في سوريا، وتشاركه نفس الرأي تركيا، بوتين يؤكد أن الخيار للشعب السوري بعد القضاء على الجماعات الإرهابية، بعد أن استثنى الجيش الحر منها في خطوة مفاجئة، الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا يوافقون على مضض أن يكون بشار جزءا من مرحلة انتقالية.


هذا هو المشهد السوري في الأسبوعين الأخيرين، الأمر الذي دفع البعض للتفاؤل في ظل إمكانية وجود حل يوقف نزيف دمشق، وينهي أكبر مأساة عاشها العالم منذ الألفية الجديدة، تقارير أخرى بدأت تتخطى مرحلة الأسد لتقول إذا لم يكن الأسد فمن؟

من يحكم سوريا لم تكن هي المشكلة، المشكلة الحقيقية هل يمكن حكم سوريا بدون حزب البعث؟، وتحديدًا كيف يمكن أن يحكم أحد جيشا بعثيا؟.. عملية الفصل لن تكون سهلة والبديل ليس متاحا، العملية برمتها تبدو ضبابية ويحاول الجميع أن يدفع المحيط وحده كما يقولون في اللغة الإنجليزية.

في سبعينيات القرن الماضي وبعد انقلاب 8 آذار/ مارس، الذي قام به المقدم محمد عمران الضابط البعثي، يعاونه في ذلك كل من صلاح جديد وحافظ الأسد وأحمد الميري وعبد الكريم الجندي، تمت هيكلة واضحة للجيش، وكان أحد أسباب نجاح حافظ الأسد هو تكوين قاعدة كبيرة تدين له شخصيًا؛ للانتصار على منافسه "صلاح جديد"، ومن ثم أسس الأسد الأب الجيش العقائدي الذي يدين له، وفي مقاطع فيديو تم توثيقها مع جنود بعثيين أكدوا أنهم على استعداد لقتل أهاليهم في حالة عدم إطاعة حزب البعث، وهو ما برهنته 4 سنوات دافع خلالها الجيش عن بشار الابن.

"حماة الديار" كما يطلق على الجيش السوري، لا يقبل بأي شريك في بلد كان هم عمادها لأكثر من 4 عقود حتى الآن، وقبلها كان هو المسيطر، نحن أمام مشكلة رئيسية تشير إلى أنه لا سوريا بدون الأسد بسبب الجيش!.. فيجب أن يكون بشار رئيسًا أو على الأقل ضابطا بعثيا، على نفس القدر من المكانة؛ حتى يمكن الحكم بجيش يمكن الاعتماد عليه، وهو معضلة الجيش العقائدي، لن يحكم سوريا أي قائد إلا بولاء كامل من الجيش، وهو أمر مرتبط بأن تكون بعثيًا، أي أن تكون من عائلة الأسد!

ما مدى إدراك دول جنيف لهذا الواقع؟.. هل تفكر بدمج الجماعات المسلحة مع الجيش ليكونوا جميعًا نواة لجيش قوي؟.. أمر لا يصدقه "عكل" في ظل جماعات كل منهم ممولة من أحد الأطراف، وهو أمر يدركه الضابط البعثي، ناهيك عن المعارك التي دارت بينهم وبين تلك البعثات ليتحول الأمر إلى ثأر.

حل الجيش هو أمر وارد أيضًا ضمن أجندات الدول الخارجية، بل هو أقرب السيناريوهات بعد تنفيذه في العراق بعد الغزو الأمريكي، فهل يمكن أن يكون مصير جيش البعث هو الحل؟.. وهل يمكن حكم سوريا دون أن يكون هناك جيش من الأساس؟.. فما أعلنته الإدارة الأمريكية عن إقامة جيش عراقي كانت تجربة فاشلة سقطت أمام مجموعة مرتزقة، تسيطر الآن على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، ناهيك عن الجنود الآخرين الذين سلموا أسلحتهم لجبهة النصرة.

إذا سلمت الدول الأجنبية بضرورة وجود جيش سوري، فليس لهم إلا بشار، أما إذا كانوا يريدون أرضا يتنازع عليها الجميع فليس لهم إلا طرد بشار، وفي الحالة الأولى تضيع الديمقراطية، وفي الأخرى تضيع سوريا، وإن كان الاختيار لنا فتبقى الأرض موحدة خيرًا من ديمقراطية بلا أرض.
الجريدة الرسمية