رئيس التحرير
عصام كامل

العلمانية والدولة المدنية


بعد الهجوم الشرس على الدكتور حلمي النمنم وزير الثقافة بعد تصريحه بأن مصر.. دولة مدنية.. أعرض الآتي:

مصطلح العلمانية مصطلح خلاقي للغاية شأنه شأن مصطلحات أخرى مثل التحديث والتنوير والعولمة.. ولعل العلمانية من أكثر المصطلحات إثارة للفرقة بين العلمانيين والإيمانيين.. وتوجد هناك علمانييات لا علمانية واحدة.. علمانية جزئية وتعني فصل الدين عن السياسة والدولة والثانية العلمانية الكلية التي لا تعني فصل الدين عن الدولة فحسب إنما فصل جميع القيم الإنسانية والاخلاقية والدينية ليس فقط عن الدولة بل عن حياة الإنسان العامة والخاصة بحيث تنتزع القداسة عن العالم ليتحول إلى مادة استعمالية يمكن توظيفها لصالح الأقوى.


وتعريف العلمانية باعتبارها فصل الدين عن الدولة «فصل سلطة الكنيسة عن الدولة في الغرب» هو الأكثر شيوعًا في العالم وتنحصر عمليات العلمنة في المجالات السياسية والاقتصادية وتستبعد شتى المجالات الإنسانية الأخرى أي أنها تشير إلى العلمانية الجزئية وهذه العلمانية الجزئية إذا أضيف لها فصل الدولة عن المؤسسة العسكرية فهي تعني بالتمام والكمال الدولة المدنية.

وعلى نقيض الدولة المدنية تأتي الدولة الدينية والتي لا وجود لها في التاريخ الإسلامي كما أجمع رجال الدين وأساتذة التاريخ.

وهناك فصل للدين والكهنوت عن الدولة في جميع المجتمعات الإنسانية تقريبا إلا في بعض المجتمعات الموغلة في البساطة والبدائية حيث نجد رئيس القبيلة هو سليل الآلهة والكاهن، كما أن طقوس الحياة اليومية طقوس دينية كما هو الحال في العبادة اليهودية القديمة.

أما في المجتمعات المركبة فهناك تمايز بين السلطات حتى في الإمبراطوريات الوثنية التي يحكمها ملك متأله لكن هناك تمييزًا بين هذا الملك وكبير الكهنة وقائد الجيوش، ومن ثم فإن فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة ليس مقصورا على المجتمعات العلمانية فقط بل موجودا في معظم المجتمعات المركبة، والدولة ليست مقصورة على المجتمعات العلمانية فقط بل موجودة في معظم المجتمعات المركبة، والدولة هنا تعني الإجراءات السياسية والاقتصادية ذات الطابع الفني وشراء الأسلحة ومناقشة الميزانية وهي أمور لا يعرفها سوى الفنيين لذا فليس بإمكان رجال الدين أن يفتوا فيها.

ومن المنظور السطحي مناقشة العلمانية في إطار نقل الأفكار أو التأثر بالحضارات الأجنبية فلكل مجتمع ثقافاته يقبل ما يشاء ويرفض ما يشاء وتستطيع الدولة إصدار قوانين تفرض رقابة صارمة على الانحرافات إذا وجدت.

وعلى العموم يجب ألا نحكم على الدولة المدنية بما تنقله وسائل الإعلام ونشاهده من ظواهر العلمنة من أقلام وملابس وأطعمة والسيارات الفارهة والمولات التجارية فقد نجد بلدا يصنف باعتباره إسلاميا «مثلا» مع أن معدلات العلمنة فيه قد تكون أعلى من بلد ليس دستوره إسلاميا لكن معظم سكانه لا يزالون بمنأى عن مظاهر العلمنة.

وهنا تبرز مصر بتدينها وثقافتها الخاصة المميزة التي تستطيع صد كل ما هو سيئ وتطبيق الشريعة كما يجب أن تكون.

وبالرجوع إلى القواميس العربية نجد أن كلمة مدن «مدائن».. تمدن أي عاش عيشة أهل المدن وأخذ بأسباب الحضارة.. وكلمة المدنية تعني الحضارة واتساع العمران «المدينة» واسم يثرب يطلق على مدينة الرسول «صلى الله عليه وسلم» وكلمة المدينة غلبت عليها.
الجريدة الرسمية