رئيس التحرير
عصام كامل

العشوائية الأخلاقية وغرق الإسكندرية


إسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط، أهان أهلها جمالها وبهاءها، نعم لن أسقط غرقها على شخص واحد وهو محافظ الإسكندرية، وأعفيه من المسئولية ولكن ليس وحده المسئول، فهناك فساد في الأحياء وفساد في الضمائر وعشوائية في السلوك اليومي لأهالي الإسكندرية.

المسئولية لا تتحملها شبكة الصرف الصحي التي لم تتطور منذ عقود طويلة، فالإسكندرية هي نموذج لمحافظة من أجمل محافظات مصر وقد أصابها الفساد، بالإضافة لمياه الصرف الصحي التي تصرف مياهها في البحر مباشرة ولا حياة لمن تنادي، حتى أصبحت رائحة الإسكندرية التي ما أن دخلت إليها إلا وأحسست برائحة مياه الصرف الصحي تمزق معدتك، ثم تعتاد على هذه الرائحة كأي فساد تتعايش معه وتتوافق معه؛ للتعايش فقط لا غير بلا ضجر ولا صراخ.

فمصر كلها وليست الإسكندرية فقط هي التي تغرق في العشوائية، ونحن المصريون سببها، ونحن أيضا من يدفع الثمن من دمائنا ودماء أطفالنا، ثم نصرخ ونسقط عشوائيتنا على الحكومة والمحافظ والرئيس.

فقد بنيت الإسكندرية بحيث تكون شوارعها مائلة؛ تجنبا لتكدس مياء الأمطار في الشوارع، وكانت سعة قدرة شبكة الصرف الصحي على استيعابها محسوبة بدقة، ولكن مع الزمن تهدمت الفلل والعمارات القصيرة ذات الخمس أدوار وبنيت الأبراج ذات العشرين طابقًا محملة على هذه الشبكة المحدودة السعة، ما جعل الناس يصرفون مياه صرف عماراتهم ومحالهم ومصانعهم في البحر، وكأن هذا الفساد الشعبي متفق عليه، فسكتت المحليات وسكتت المحافظة حتى حدثت الكارثة وتتكرر كل يوم.

نرى من يسرق التيار الكهربائي لإنارة كشك مخالف أو عمارة مخالفة بلا حراك، ونرى من يكسر ماسورة المياه العمومية ليقوم بتوصيل فرع منها لأي مكان يشاء بلا صراخ ولا عويل، ونرى من يلقي مباشرة مخلفاته في بلوعات مياه الصرف بلا تذمر، وتقع الكارثة والكل يصرخ والكل مسئول.

فأنا أكره العشوائيات وأمقت العشوائيين؛ لأنهم أسس الفساد والفاسدين، إذًا فكلنا فاسدون لا أستثني أحدا.

فاليوم وأنا على الطريق الدائري، شاهدت أكثر من ثماني حوادث الساعة السابعة صباحا؛ بسبب الأمطار الغزيرة المفاجئة، ولكن الأمطار بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب؛ لأن أصحاب السيارات الأجرة والملاكي ورغم غزارة الأمطار يسيرون بنفس طريقة قيادتهم المعتادة في الأيام العادية، بالرغم من قلة قوة الاحتكاك في الطريق بفعل الأمطار، ما يجعل التحكم في القيادة أمرا صعبا، فيسير أصحاب السيارات بسرعتهم المعتادة مع عدم ترك مسافة كافية بين السيارات بعضها البعض، فتحدث الكارثة ويقف السائرون والراكبون يلعنون في الحكومة والمحافظ، والغريب أنهم لا يلعنون أصحاب الدراجات البخارية التي تسير عكس الاتجاه في مطلع ومنزل الكباري، قاطعة الطريق، والغريب أنك تجد هؤلاء السائرين عكس الطريق يلعنون أصحاب السيارات التي تسير ببطء أو حسب السرعة القانونية؛ لأنهم لا يفسحون لهم الطريق.

فالحوادث لم ولن تنتهي بإقالة محافظ أو محاكمة رؤساء الأحياء بل ستنتهي بمحاربة العشوائية الأخلاقية والسلوكية بحزم وبقوة.

ولا ننسى أن هناك من يعيش وسطنا ويحاربنا اقتصاديا وإعلاميا، محاولًا إثارة القلائل والفتن، وإثارة الناس، نعم فهم يستغلون عشوائيتنا ويحاربُننا بها، ونحن من أعطى للفاسدين المخربين المتآمرين على مصر قوتهم وسلاحهم الذي يغرقوننا به.

فعلاج الأمر صعب للغاية ولكن ليس بالمستحيل.. فلك الله يا مصر حماك الله ورعاك.
الجريدة الرسمية