رئيس التحرير
عصام كامل

رموز يناير في «بحر اللبن»؟!


ليس معروفا ما العلاقة بين ضعف الإقبال على الانتخابات البرلمانية، وبين شعبية الرئيس السيسي.. السيسي لم ينزل الانتخابات هذه المرة.. لو نزل لاكتسح من جديد.. لو طلبوا من المصريين التصويت على رئاسة الجمهورية لصوتوا للسيسي مرة أخرى.


ما علاقة الرئاسة بضعف التصويت؟.. من ذا الذي ربط بين ضعف الإقبال، وبين ما أسموه حنقا شعبيا على الرئيس، كما يرى كثير من رموز يناير؟.. كيف جاء الربط؟.. وما هو الرابط؟.. وعلى أي أساس؟

لا أحد يعلم.. لأنه لا سببية واضحة، لكن الذين في قلوبهم مرض، والذين هم السبب، هم الذين يقتنصون الأحداث، فيفسرونها على الكيف والهوى.. والذين كانوا السبب هم الذين مازالوا حتى الآن على حالتهم: إنكار دائم.. وأيادٍ مغسولة بالديتول.. من الأحداث.

لو الأحزاب ضعيفة.. السيسي هو السبب.. ولو قيادات ما بعد يناير، فشلت في حشد ظهير لها في الشارع، فلا علموا عنها في القرى، ولا وجدت من يناصرها في النجوع حسب أبسط قواعد اللعبة السياسية.. يبقى السيسي هو المسئول.

نفس الطريقة ونفس الأسلوب.. من فات قديمه تاه.. واذكر عندك في الكتاب أيام قائمة الجنزوري.. لما فشلت الأحزاب، وتعاركت القيادات، ووقعت الصفوف الأولى، ولم يجدوا صفوفا ثانية.. قال لك: "الجنزوري السبب".

ولما علت الأصوات، وتصاعدت الخلافات داخل الهيئات العليا لأحزاب نضال ما بعد يناير، فتناثرت دعاوى عزل بعضهم البعض، وتنامت نغمات التخوين، فتعطل العمل الحزبي، وانقسمت أحزاب بير السلم إلى كانتونات، وفيالق، يحاربون بعضهم بالكلام، ويناضلون بالأغاني في قعدات الجريون، ومقاهي وسط البلد.. قال لك: "الجنزوري السبب".

بعد الجنزورى، طالبوا الرئاسة برفع الدعم عن قائمة "في حب مصر".. طالبوا الرئيس بأن يكف يد المساعدة عمن أسموهم رجال النظام السابق وبقايا دولة مبارك.. وكان كلاما فارغا.. فلا الرئاسة كانت تدعم، ولا "في حب مصر" كانوا رجال مبارك.

لكنها موضة.. أي فشل "ينايري" سرعان ما يعلق الآن على "شماعة رجال مبارك" وبقايا النظام السابق.. رموز يناير الذين أسقطوا نظام مبارك، قبل خمس سنوات، هم الذين يعانون عراقيل النظام نفسه، بعد سقوطه بخمس سنوات؟!!

نكتة. 


لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر.. والأحزاب تكابر.. رموز ما بعد يناير يكابرون، ويتخرصون، ويطففون.. ويخسرون الميزان.. ميزان أنفسهم، وموازين قدرتهم في الشارع.. لذلك صعب عليهم الاعتراف بالفشل.. أغلبهم يحاول البحث عن قشة في أعين الآخرين.. ولا يرون الخشبة في أعينهم.

اعتبرها من النهارده أحزاب حليمة.. من النهارده هي "أحزاب على ما تفرج".. أو سميهم ساسة يرغبون في النجاح من منازلهم، ومناضلين طالبين سقايتهم "أصوات الناخبين" بالمعلقة.. دي اسمها "معلقة".. فلا السياسة تعرف أحزاب حليمة، ولا أصوات من نزل للتصويت تؤمن بالأحزاب على ما تفرج.

لماذا تكلمت الأحزاب عن ضعف التصويت، لكن أحدا لم يطرأ عليه تحليل اتجاهات التصويت؟ 

عمليا، لا يمكن اعتبار نسب التصويت المنخفضة، احتجاجا شعبيا على مسالك الرئاسة كما قال عبد الحليم قنديل، ولا هي "قرف شعبي" من الوضع السياسي كما قال عمنا حمدين صباحي.

ليس من الإنصاف اعتبار عزوف الناخب، إحباطا من عودة ما يسميه رموز يناير بقايا نظام مبارك (إشارة لقائمة في حب مصر)، بينما النتائج تشير إلى حصول "في حب مصر" على كل مقاعد القوائم في المرحلة الأولى!

قُتل الخراصون، و"عيال السياسة" وأرباب الشعارات، وكلام الموظفين، ومرتادو قهاوي الثورة في وسط البلد.

فالأصل في الدول أنها لا تدار من على المقاهي، والأصل ألا ينافس الزعماء التاريخيين، بمجموعة قصائد وقصص قصيرة، وأبيات شعر ملتهبة عن الديكتاتورية، والشعبوية، واللولبية في ندوات الحزب الناصري، وشقق تيار الاستقلال.

أيام التصويت قال لك: حجب الشعب نفسه احتجاجا على قائمة "في حب مصر". وبعد اكتساح القائمة قال لك: الرئيس السبب لدعمه "في حب مصر".. يعني ودنك منين يا جحا.. يعني نقفل الشباك ولا نفتحه.. يعني أي كلام والسلام.

ثم.. افرض أن الرئاسة تدعم في حب مصر.. دعنا نسلم بهذا الكلام على طريقة اللئام وعجزة السياسة، وأباطرة "الكُتع".. فلماذا لم تشكل التيارات الأخرى قوائم تنافس، ولماذا لم تدفع بشخصيات من العيار الثقيل، ولماذا لم تُقم متاريس تحالفات قادرة على هزيمة الديكتاتورية.. وتدخل الدولة؟

إذا كان رموز يناير، مدعومة بظهير شعبي خارج من ثورتين، لا يمكن الالتفاف على إرادته، ولا الاستهانة به، فلماذا لم تستطع فصائل سياسية في قدرة الفانتوم، وفي سرعة الميراج، دك حصون الدعم الرئاسي لقوائم شخصيات يحاصرها "قرف شعبي".. و"ضغينة جماهيرية"؟

في القرية المصرية مثلا يقول: كنت فين يا غراب.. قال: في بحر اللبن.. قال له: كان بان على "عراقيبك"!!

ملاحظة:
مرادف عراقيبك: رجليك
 
Twitter: @wtoughan
wtoughan@hotmail.com
الجريدة الرسمية