رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الشفافية المأسوف عليها


في العقود الأخيرة، كان بعض قيادات الإخوان يعتبرون ما يجرى داخل الجماعة شأنا داخليا، لا يحق لأي إنسان أن يسأل عنه، فضلا عن أن يطلع عليه.. وهذا ما كان يقلق الرأي العام ويثير لديه تساؤلات كثيرة؛ حيث كان يرى من حقه أن يعرف ما يجرى لديهم، ولماذا هم حريصون على إخفاء أي معلومات عنه.

وقد كان هذا الوضع، يستغل من قبل نظام حكم مبارك في عزل الإخوان وتفزيع الرأي العام - داخليا وخارجيا - منهم، وبالتالي سهولة توجيه ضربات لهم لإرباك نشاطهم وإعاقة حركتهم وإيقاف تمددهم، وجعلهم في قلق وعدم استقرار دائم.. وحتى بعد ثورة ٢٥ يناير وسيطرتهم على أغلبية مقاعد البرلمان، ووصولهم إلى سدة الحكم، ظلت الجماعة كما هي شأنا داخليا، لا يعرف أحد عنه شيئا، فضلا عن عدم قانونيتها.. وكان هذا الوضع مدعاة للسخرية من قبل الكثيرين؛ إذ كيف يكون لدى الإخوان كل هذه السلطات، ورغم ذلك يصرون على سرية الجماعة وعدم تقنين وضعها؟!!

سلوك الدولة في مصر يشابه إلى حد كبير سلوك الإخوان، ولا أدري من تعلم ممن، ومن أخذ ممن.. الغالب الأعم أن الإخوان هم من تعلموا من الدولة، وأخذوا منها أسلوبها وطريقة عملها، فالإخوان - كجماعة - حديثة عهد، لم يمض على إنشائها سوى بضعة عقود، أما الدولة فهي قديمة.. قديمة جدا.. فكل ما يجرى داخل أي مؤسسة هو شأن داخلى لا ينبغي - بل محظور - أن يطلع عليه أحد.. خذ مثلا هذا التعتيم العجيب الذي واكب إقالة حكومة إبراهيم محلب، والتعتيم الأعجب الذي ترافق مع تشكيل حكومة شريف إسماعيل.. لماذا أقيلت الحكومة الأولى؟، وما هي الأسباب التي دعت إلى ذلك؟، مع أنه تم الإبقاء على عدد كبير جدًا من وزرائها في الحكومة الثانية؟!

لا أحد يعرف؛ إذ لم يخرج علينا مسئول ليحيطنا علما بالدوافع الحقيقية وراء ذلك.. صمت مطبق.. نحن - إذن - أمام شأن داخلي لا ينبغي أن يطلع عليه الرأي العام، وكأن هذا الأخير يعيش في كوكب أو قارة أخرى..

عموما، كانت فرصة بالطبع للمحللين السياسيين والمفكرين ورجال الصحافة والإعلام؛ كي يتباروا في إعمال عقولهم وقدح زناد فكرهم.. فالمسئولون في الدولة حريصون على هذه التدريبات الذهنية؛ لما لها من فوائد جمة.. غير أن البسطاء من الناس الذين لا يتمتعون بهذه العقليات الفذة، وليس لديهم قدرة على التنبؤ أو التوقع، حاروا، خاصة أمام التفاسير المختلفة التي تسابق البعض إلى تقديمها.. كانوا ينتظرون من يريحهم ويكشف لهم عن الحقيقة، بدلا من تلك الأوضاع الغريبة التي يحرص المسئولون دائما على إخفائها..

تساءل أحد البسطاء: ترى ما هي الأسرار التي تجعلهم يتكتمون هذا الأمر؟.. وهل هو سر حربي لا يجب الكشف عنه، حتى لا يتضرر الأمن القومي؟.. ولماذا يضعون أنفسهم في هذا الوضع المثير؟

علق ثان (قائلا): لا بد أن المسئولين في بلادنا يعلمون مدى تقديرنا وإعجابنا وحبنا للمفاجآت، لذا أرادوا أن يجعلوا كلا من الإقالة والتشكيل مفاجأة يدخلون بها السرور على قلوبنا.. قال ثالث (معقبا): لا.. المسألة ليست على هذا النحو.. المسألة أن المسئولين عندنا يعتبرون الشفافية شرفا وعرضا يجب ستره، تماما كما كانت تفعل القبائل العربية في الجاهلية، ومن ثم فإن السعي لهتك الستر وكشف العورة ليس من سبيل إلا الدم، عملا بقول شاعرهم: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ** حتى يراق على جوانبه الدم.

قال رابع وهو يتصنع الجد: يا سادة.. الأمر أخطر مما يظن هؤلاء المسئولون، فهذا التكتم يصيب قضية الاستثمار في مقتل.. قال خامس: وكيف ذلك؟.. رد قائلا: إن المستثمرين الأجانب ينظرون إلى ما يحدث في مصر بشيء من الريبة والشك.. تعتريهم نفس التساؤلات.. لماذا يفعل المسئولون في مصر ذلك؟.. ولماذا هم خائفون؟.. وهل هناك أسرار خفية يتسترون عليها، ويخشون من انكشافها؟.. ثم استطرد يقول: إن المستثمرين يريدون أن يطمئنوا إلى أن المناخ في مصر تسوده الشفافية، وأنه لا شيء يجرى من وراء ستار.. والحقيقة أن ما حدث لا يبعث على الراحة.. صحيح أن رئيس الدولة يبذل قصارى جهده لجذب الاستثمار إلى مصر، خاصة بعد إنشاء قناة السويس الجديدة، لكن يبدو أن هناك من يعرقل جهود الرجل، ويريد - بقصد أو بغير قصد - إجهاض محاولاته الدءوبة نحو التنمية.. ثم أن المستثمرين لا يريدون المغامرة باستثماراتهم في مكان يتلبسه نوع من الغموض.
Advertisements
الجريدة الرسمية