رئيس التحرير
عصام كامل

قصة ضريبة السفر و«شهوات» الاعتراض والرفض!


حالة بعض النشطاء ميئوس منها تماما..حجم الإحباط الذي سيطر عليهم واحتلهم نفسيا تقريبا-تقريبا-لا علاج له ولا شفاء منه..هم يطلبون الشئ فإذا ما تحقق يرفضونه..وأحيانا يطلبون مطلبا فإذا ما تحقق يتجاهلونه وينتقلون إلى مطلب آخر دون أي إشارة إلى ما تحقق، وإنما يتحدثون عن مطالب أخرى لم تتحقق ترضي لديهم شهوات الرفض..وهكذا دواليك!


الأمثلة كثيرة..نتوقف عند ضريبة تذاكر الطيران الشهيرة بتذاكر السفر..فمن المنطقي أن تهاجم جماعة الإخوان أي قرار يصدر من السيسي أو من الحكومة المصرية..لكن أن يهاجمه من يطالب منذ سنوات طويلة برفع الضرائب على القادرين أو إصدار قوانين بضرائب جديدة فنحن أمام حالة مدهشة إلى حد الشفقة على أصحابها..

تعالوا نحكي القصة من بدايتها..ففي سنة 78 وفي عهد الرئيس السادات صدر القانون رقم 46 المكون من مواد عديدة نتوقف عند المادة الخاصة بموضوعنا وندعوكم لاستكمالها معنا لآخرها ونصها كالآتي: "المادة الحادية والثلاثون: تفرض ضريبة الاستهلاك الترفي وذلك على النحو الآتي: رابعًا: تذاكر السفر إلى الخارج التي يتم بيعها بالعملة المحلية، فيما عدا سفر الطلاب أو السفر بسبب العلاج أو الداراسة أو التدريب أو الحج أو العمرة أو لمهام رسمية ويتحمل المسافر بهذه الضريبة وتكون بنسبة عشرة في المائة من قيمة التذكرة، وتبين اللائحة التنفيذية نظام تحصيل هذه الضريبة وتوريدها لمصلحة الضرائب "وفي سنة 98 وفي عهد الرئيس مبارك تم تعديل المادة السابقة بالنص التالي:

"تذاكر السفر إلى الخارج عن الرحلات التي تبدأ من جمهورية مصر العربية وتكون بنسبة (5%) من قيمة التذكرة، ويتحمل المنتفع بحد أقصى ثلاثمائة جنيه بالدرجة الأولى ومائة جنيه بالنسبة للدرجات الأخرى، وتسري هذه الضريبة أيضا على التذاكر المجانية، ويتحمل المنتفع بالتذكرة المجانية بهذه الضريبة".

ونلاحظ أن الحد الأقصى كان ثلاثمائة جنيها متي؟ عام 98 قبل سبعة عشر عاما كاملا إلا أن الماده كلها هي وحدها التي تغيرت من القانون وأصبحت كالتالي:

"تذاكر السفر إلى الخارج عن الرحلات التي تبدأ من جمهورية مصر العربية يتحمل المنتفع بمبلغ (أربعمائة جنيه) بالنسبة للدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال و(مائة وخمسون جنيهًا) بالنسبة للدرجة السياحية، وتسري هذه الضريبة أيضًا على التذاكر المجانية ويتحمل المنتفع بالتذكرة المجانية بهذه الضريبة"!

ماذا فعل التعديل الأخير كما هو واضح؟ ألغى الفئات المستثناة من الضريبة، وقام بتثبيت قيمتها عند الأرقام المقررة الثابتة بغض النظر عن ثمن التذكرة، وتبدو الأهداف واضحة في تحميل القادرين من معتادي السفر، وخصوصا للسياحة أو للتسوق أو لتكرار أداء الحج والعمره لهذه الضريبة، وتشجيع السياحة الداخلية، وتقليل الطلب على العملات الأجنبية وتبدو بعض الملاحظات وهي: نسبة الفرق في الزيادة على الدرجة السياحية لا يزيد عن خمسين جنيها، كما كانت المادة ستعد غير دستورية لو ميزت العامل المصري المتجه للخليج عن العامل المصري المتجه لأوربا وأمريكا، فكان لابد من تثبيتها، كما أنها لا تخاطب القادمين من الخارج وأغلبهم يأتي ذهابا وعودة!

الآن..ما علاقة المواطن المصري البسيط بالضريبة؟ ما الذي يجعل كل من طالبوا في السابق بضرائب على الأغنياء أن يغضبوا اليوم؟ وكيف تفكر تلك العقلية المصابة بحساسية لا معنى لها من لفظ "الضرائب" حتى أنه يرفضها رغم أنها لمصلحة المجتمع؟ ومتي نتعلم أنه عندما يتحقق مطلب نؤيده ثم نطالب بغيره؟ ومتي نتعلم أن تحقيق مطلب لا يتعارض مع مطلب آخر، كما ردد بعضهم أن علينا "أن نحصل الضرائب القائمة أولا قبل فرض غيرها"؟! ومتى نتوقف لنفهم قبل أن نؤيد وقبل أن نرفض أي قرار أو أي قانون جديد؟ ومتي تعلو مصالح البلد فوق كل حقد وكل كره وكل موقف وكل عداء وكل خصومة مع النظام أو الدولة؟ ومتي يتعلم البعض أن لا يكونوا "إمعات "يسيروا مع السائرين؟! والسؤال الأخير للدولة: أين الإعلام الرسمي الذي يخاطب الناس ويشرح لهم ما التبس عليهم قبل أن يُترك عُرضة للفتة الإخوانية أو للفتة الهيستيرية التشنجية المراهقية الغوغائية؟!
الجريدة الرسمية