رئيس التحرير
عصام كامل

سمير عزيز أشهر طياري القوات الجوية بحرب أكتوبر: تساقط طائرات العدو أمتع لحظات حياتي

فيتو

  • >> فاجأنا العدو بالطيران المنخفض لتفادى راداراته المتطورة
  • >> القوات المسلحة اعتمدت على العقل قبل السلاح


تخرج «سمير عزيز» في الكلية الجوية عام 1963 دفعه 14 طيران، وهو أحد أبطال حربي الاستنزاف وأكتوبر المجيدة في سلاح الطيران، وقال عنه اللواء أحمد كمال المنصوري: «الطائرة التي يقودها سمير عزيز ميخائيل تئن منها الأشجار، ويمكنك عندما تنزل تحتها أن ترى اللون الأخضر ودهان الطائرة قد تشوه نتيجة اصطدامها بأوراق الأشجار الخضراء»، هذه المقولة تبين مدى شجاعة هذا الرجل وإقدامه على التحليق المنخفض لهذه الدرجة لحماسته الشديد ومهارته.
وأسقط «عزيز» ثلاث طائرات لإسرائيل يوم 20 يوليو1969، بما فيها المقاتلة ميراج والتي كان يقودها «ايتان بن الياهو» الذي أصبح فيما بعد قائد سلاح الجو الإسرائيلي فيما بين 1997 و2003.
ويتميز «عزيز» بالجرأة والجسارة والإقدام، من أشهر طياري القوات الجوية لما عرف عنه من الشجاعة والإقدام.
وقال في حوار خاص مع «فيتــو» إن تساقط الطائرات الإسرائيلية من أمتع المشاهد التي أسعدتني في حياتي وقبل إصابتي في الحرب كنت أريد أن أرى كل الطائرات الإسرائيلية محطمة على الأرض.

*متى تخرجت في الكلية الجوية؟
ولدت عام 1943 ووالدي كان مهندسًا بالقوات الجوية وكنت ابنه الوحيد فكان يرفض تمامًا أن ألتحق بالكلية الجوية وأثناء سفري إلى الإسكندرية تقدمت بأوراقي بالكلية الجوية وتخرجت في عام 1963 بالدفعة 14 برتبة ملازم طيار التحقت بجناح المقاتلات.
حصلت على فرقة مقاتلات في مطار كبريت، ثم انتقلت إلى سرب «ميج-17 » مقاتلات قاذفة، ثم انتقلت إلى المقاتلات «ميج-21 » برتبة ملازم، وكانت أول دفعة من الملازمين تنقل إلى الميج-21 التي وصلت مصر حديثًا في ذلك الوقت، وتم اختياري ضمن أفضل 3 طيارين.
وبعدها انتقلت إلى اليمن عام1965 وكنت برتبة ملازم أول، وكانت هناك طائرات «ميج-17» فقط، وكانت فترة هادئة، وكنا ننفذ طلعات استعراضية أمام القبائل اليمنية المعارضة بغرض إرهابهم فلم يكن أحد من تلك القبائل سبق له رؤية طائرات من قبل.

*بصفتك أحد أبطال حرب أكتوبر.. صف لنا مشهد القوات الجوية بعد حرب 1967؟
وضع القوات الجوية في أعقاب حرب 67 كان يرثى له، فرصدت إسرائيل 12 طائرة لكل مركز جوى مصري خلال عملية ضرب المطارات، واستخدمت نوعًا جديدًا من الأسلحة في هذا الوقت كان يعرف باسم «القنبلة الخارقة للأسمنت».
وخلال يومين دمرت إسرائيل معظم الطائرات وضرب الممرات وخسرنا 388 طائرة، إضافة إلى نسبة تتراوح بين 70 و80% من العتاد العسكري، ولكن سرعان ما توحد الشعب والجيش وعزم الجميع على تحرير الأرض، وعلى مدى سنوات التي تلت حرب 1967 انخفضت الجريمة بشكل عام والسرقة بشكل خاص في المجتمع المصري.

*أين كنت يوم 5 يونيو 1967؟
يوم 5 يونيو 1967 كنت على الممر من 6 إلى 8 صباحًا في مطار فايد برتبة نقيب، بمعنى أنني في كابينة طائرتي على أول الممر مسلح ومستعد للإقلاع في أي لحظة للاشتباك، وكان معنا بالمطار طائرات «سوخوى-7 » وسرب يسمى سرب العروبة وبه طائرات «ميج-19».
وبعد انتهاء المدة نزلت من الطائرة، وبعد قليل سمعت صوت انفجار كبير وشاهدت الطائرات تحترق على أول الممر، وكان معي أحد زملائي، فقال لي «إحنا بننضرب» وركبنا سيارة جيب واتجهنا إلى أول الممر لنقلع وكان هناك 4 طائرات تم قصفها، واستمر قصف الطائرات في أماكنها، وكانت طائرات الميج-21 مرصوصة تفصلها مسافات بسيطة وأمامها «سوخوى-7 » في صف مقابل.
وجاءت طائرة إسرائيلية وقصفت طائرة «ميج-21 » بأرض المطار فانفجرت، وسرعان ما اشتعلت النار في الطائرة المجاورة لها التي خرج منها صاروخ انفجر بطائرة «سوخوى 7 »، وبعدها ذهبنا إلى قاعدة أنشاص فوجدنا نفس المشهد.

*اكشف لنا عن دور العرب في نصر أكتوبر؟
الدول العربية كان لها دور كبير في نصر أكتوبر المجيد سواء في مرحلة ما قبل الحرب أو خلالها، وكان على رأس الدعم العربي استخدام سلاح البترول وهو دعم لا يمكن وصف تأثيره في سير العمليات العسكرية أو المفاوضات.
وبالنسبة للدعم «الجزائري» بالطائرات بدأ منذ اللحظات الأولى لنكسة 1967، فبعد ضرب المطارات بيوم أو اثنين طلبت قيادة القوات الجوية منا الذهاب إلى الجزائر لإحضار طائرات نحارب بها وذهبت، وكان معي على زين العابدين وعادل نصر وفريد حرفوش وتيسير حشيش وسمير فريد وعز الدين أبوالدهب وكان معنا أيضًا الدكتور محيى حماد وبديع وفائى.
وفور وصولنا وجدنا 6 طائرات «ميج-21 » فقط جاهزة للطيران، وعاد الطيارون الأعلى في الرتبة بتلك الطائرات، ثم دخلنا إلى «هنجر» وجدنا به طائرات «ميج-17 » عبارة عن جسم الطائرة والجناحين مفككين، وانتظرنا يومًا حتى تم تجهيز عدد من الطائرات وعدنا بها من الجزائر.

*بدأت القوات الجوية في إعادة بناء نفسها استعدادا ليوم التحرير.. حدثنا عن هذه المرحلة؟
القوات الجوية لم تحارب في 1967، وبالتالي كان لدى الطيارين عزيمة وإصرار على الدخول في الحرب مهما كان الثمن، وبدأت القوات الجوية في إعادة بناء نفسها، وكانت البداية ببناء «دشم» للطائرات في كل المطارات، واشترك في بناء الدشم شركات من القطاع المدني.
وبالفعل وفرت الدشم حماية كاملة للطائرات المصرية ولم تدمر طائرة واحدة على الأرض خلال حرب أكتوبر المجيدة، يضاف إلى ذلك أن القوات الجوية أعادت بناء وإصلاح ممرات الإقلاع والهبوط، وتم إنشاء ممرات سرية لا تظهر من السماء معدة للطوارئ.
ووصلت إلى مصر بعد ذلك طائرة جديدة تسمى «Mig-21 FL » واختاروا أفضل الطيارين للعمل عليها وكنت منهم، وكانت هذه الطائرة مزودة بصاروخين فقط ولا يوجد بها مدفع، وكانت تعتمد على الرادار في الكشف عن الهدف، وأنهينا الفرقة على تلك الطائرة وانتقل السرب إلى المنصورة، وكان الاختلاف ظهر من خلال بناء الدشم والممرات التبادلية، والبالونات حول المطار.

*حدثنا عن سير الضربة الجوية يوم 6 أكتوبر ؟
استفادت القوات المسلحة بكل أسلحتها من حرب الاستنزاف، وفيما يتعلق بالقوات الجوية كانت القيادة على قناعة تامة بضرورة مفاجأة العدو بالطيران المنخفض لتفادى الرادارات المتطورة، الأمر الذي تطلب مجهودًا جبارًا من طياري الاستطلاع لتصوير طرق الهجوم وجغرافيا الأرض والهضاب والتلال، وكذلك مجهود كبير من طياري القاذفات لتطوير أسلوب الطيران المنخفض والتعود عليه كأسلوب طيران وحيد لحسم المعركة.
وكانت خطط الهجوم الجوى تعتمد على تنفيذ الضربة الجوية بأكبر عدد متاح من الطائرات ومن مطارات مختلفة وفي نفس التوقيت وعلى أقل ارتفاع ممكن، وهو ما حقق عنصر المفاجأة الذي أدى إلى إحداث شلل في حركة العدو.
وكان التخطيط يراعى حمولة ومدى وسرعة كل طائرة ومكان انطلاقها والهدف المتجهة له، بحيث تكون كل الطائرات فوق أهدافها في وقت واحد، وكل هذا تم بحسابات فنية بشرية دقيقة دون أجهزة كمبيوتر أو أقمار صناعية.
وقبل موعد إقلاع الطائرات لتنفيذ الهجوم يوم 6 أكتوبر أقلعت بعض الطائرات الحربية من عدة مطارات لعمل طلعات روتينية تدريبية للتمويه والخداع ولعدم لفت نظر العدو لما يتم التخطيط له، وتحدث الطيارون في اللاسلكي مع برج المراقبة بشكل عادي حتى يلتقط العدو حواراتهم كالمعتاد.
وفى مطار المنصورة الذي كنت أوجد به أقلعت عدد من تشكيلات «ميج 21 » ونفذوا دورة طيران عادية وعند الانخفاض للهبوط فوق المطار، استمرت الطائرات على ارتفاعها المنخفض، وبعيدًا عن أعين الرادارات الإسرائيلية لتهبط في مطار بلبيس، كما تم من قبل عشرات المرات في التدريبات.
وفى التوقيت المحدد نفذ الهجوم الجوى الساحق وكان النسق الأول وفقًا لخطة الهجوم 90 طائرة مقاتلة وقاذفة وقاذفات ثقيلة لتدمير وشل فاعلية مواقع الدفاع الجوي «الهوك» وتدمير محطات الرادار ومراكز القيادة، والنسق الثاني بقوة 90 طائرة مقاتلة ومقاتلة قاذفة وقاذفات ثقيلة لضرب وشل المطارات والإرسال ومواقع كتائب المدفعية بعيدة المدى وضرب النقطة الحصينة شرق منطقة بور فؤاد.
وضم النسق الثالث 40 طائرة مقاتلة لتعزيز النسق الأول والثاني في أعمال القتال الجوي ومنع طائرات العدو من التدخل أثناء أداء المهام القتالية.
ونجحت الضربة الجوية في تحقيق أهدافها بنسبة 90% ولم تزد الخسائر على 5 طائرات مصرية، فتم تدمير 3 ممرات رئيسية في مطاري المليز وبير تمادا، و3 ممرات فرعية وتدمير 10 مواقع بطاريات صواريخ أرض جو من طراز هوك وموقعي مدفعية ميدان، وتدمير مركز القيادة الرئيسي في أم مرجم ومركز الإعاقة والشوشرة في أم خشيب وتدمير عدد من مراكز الإرسال الرئيسية ومواقع الرادار، وكان مقررًا تنفيذ ضربة جوية ثانية ضد العدو في نفس اليوم قبل الغروب، ولكن ألغيت نتيجة نجاح الضربة الأولى.

*كان هناك تفاوت كبير في قدرات سلاح الجو بين مصر وإسرائيل.. ما أثر هذا التفاوت في نفوس الطيارين في ذلك التوقيت؟
القوات المسلحة بكل فروعها وأسلحتها حاربت إسرائيل بالعقل قبل السلاح، والتفاوت في القدرات العسكرية كان واضحًا لصالح إسرائيل، وخاصة في سلاح الطيران، فمصر اعتمدت على المقاتلة ميج 21 بأنواعها المختلفة كطائرة رئيسية في دور الهجوم والدفاع.
وتنوعت الطائرات الإسرائيلية بين الميراج 3 والنيشر والفانتوم، وجميع الطائرات الإسرائيلية تتفوق علينا في السرعة والمدى والحمولة وأيضًا القدرة على المناورة، وكان طيران إسرائيل هو الذراع الطولى التي تتباهى بها على مدى الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن مصر لقنت إسرائيل درسًا لن تنساه واستردت أرضها وأعادت للأمة العربية عزتها وكرامتها.
الجريدة الرسمية