رئيس التحرير
عصام كامل

روسيا تؤجل الحرب على إيران


لم يكن من الغريب للكثير من المحللين، أن تتدخل روسيا في سوريا وأن تدفع بطائرات وأسلحة ثقيلة، وأن ترمي بثقلها في سوريا.. فالموقف الروسي السياسي كان ولا يزال مؤيدًا لبشار الأسد.. لكن لماذا تتدخل روسيا عسكريا في سوريا؟.. ولماذا الآن؟

الإجابة مجددا، التي لا تحتاج لعناء هو لدعم نظام بشار الأسد.. لكن لماذا الآن؟.. لماذا كانت تدعمه سياسيًا فقط، ثم تحول الدعم السياسي لدعم عسكري؟

لأن روسيا تسابق الزمن في محاولة لإعادة التوازن العسكري في سوريا، ومحاولة استعادة ما اكتسبته المعارضة السورية، أو داعش أو جبهة النصر.. ذهب بعض المحللين إلى أن روسيا لا تضرب الدواعش فقط، بل تضرب المعارضة، وأغلب الظن أن هذا ما يحدث فعلًا.. روسيا تسعى أن يستعيد الأسد مناطق نفوذه، وإن استطاعت مساعدته في أن يبسط نفوذه على كل سوريا ستفعل.. لكن لماذا الآن وليس من قبل؟

تدخل روسيا لا يهدف لحماية سوريا من الدواعش، لكن الهدف أبعد من ذلك، فبقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه قبل التدخل الروسي، لا يعني أن الأسد لم يكن قادرًا على البقاء من دونها، ولكن يجعله المعادلة الأضعف في حال ما قامت إسرائيل بضرب إيران، وهو ما تنتويه إسرائيل ويكرره نتنياهو في كل مرة يتحدث فيها، وآخرها خطابه أمام الأمم المتحدة التي كانت أشبه بإعلان حرب على إيران، حيث قال إنه لن يسمح لإيران بامتلاك تكنولوجيا نووية.

السؤال، لماذا لم تقم إسرائيل بضرب إيران منذ عام أو أكثر، وماذا تنتظر؟.. إسرائيل لم تضرب إيران؛ لأن الرئيس الأمريكي يقف بينها وبين إيران، ودعمته في ذلك أوربا بالاتفاق الأوربي الإيراني، فإيران استشعرت أن ضربها صار وشيكًا، فأبرمت الاتفاق حتى تضيع على إسرائيل فرصة أن توجه ضربة لمنشآتها النووية، ولذلك وافقت على مطالب الولايات المتحدة وأوربا، وأوباما قال من ناحيته في خطابه الأخير بالأمم المتحدة: إنه لن يسمح لأحد بأن يقوّض الاتفاق مع إيران.. ولكن من يصدق أن أوباما يقف حائلًا بين إسرائيل وبين ضربها لإيران، والولايات المتحدة تؤكد في كل مرة دعمها لأمن إسرائيل؟.. وماذا إذا كانت إسرائيل ترى في امتلاك إيران لتكنولوجيا نووية تهديدًا لها؟

العقيدة الراسخة التي تكررها وسائل الإعلام بأن أمريكا تدعم إسرائيل على طول الخط ليست صحيحة.. فالرئيس الأمريكي قال صراحة إنه لا "يهضم" نتنياهو، ولم يعد يتدخل على خط الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ لأنه يعرف أن نتنياهو غير جاد في أي مفاوضات، وللسبب نفسه لم يتحدث أوباما عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في كلمته أمام الأمم المتحدة.

حسنًا، إذا كانت إيران تتمتع بحصانة أوباما ومن ورائه الدول الأوربية التي أبرمت الاتفاق، فلماذا دخلت روسيا على الخط؟؛ لأن نتنياهو سيضرب إيران فور سقوط الديمقراطيين في مطلع 2016، فكل ما ينتظره هو رئيس جمهوري أقرب في جنونه إلى جورج بوش، أو رئيس ديمقراطي يدفع ثمن تأييد اللوبي الصهيوني في أمريكا له؛ حتى يقوم بضرب إيران قبل حلول الصيف.

ولا توجد أجواء أفضل من الأجواء الحالية لضرب إيران، وهي أجواء ستسمتر شهورًا، فنظام الأسد – قبل تدخل روسيا – كان يتآكل وبسرعة، فهو لا يسيطر إلا على دمشق وريفها وبعض المدن المحيطة بها، وحزب الله منهمك في الحرب في سوريا، وكثير من دول الخليج تقلقها السياسة الإيرانية في البحرين واليمن، فسحبت البحرين سفيرها في إيران وطالبت سفير إيران بمغادرة البحرين.. هناك الكثير من دول الخليج سترحب بضربة إسرائيلية لإيران.

وعلى جانب آخر، إسرائيل لم تكن لتدخل في حرب مع حزب الله، فهي لا تفكر في حزب الله حاليًا، فسقوط إيران ومن قبلها سوريا يعني نظريًا سقوط حزب الله، وإسرائيل لم يكن يعنيها كثيرا ما كان يحدث في سوريا، فاستمرار القتال هناك يصب في مصلحتها، لكن حسمها لصالح الأسد يعيده للمعادلة من جديد.

روسيا استشعرت أن إسرائيل ستجتاح سوريا في حال قيامها بضرب إيران، هذا ما كانت إسرائيل ستفعله – حتمًا – ووجود الأسد على ضعفه لم يكن ليمكنه من صد أي اجتياح إسرائيلي، وهو لا يقوى على داعش والنصرة.. كما أن إسرائيل تعرف أن حزب الله لن يقف مكتوف الأيدي حال ضربها لإيران، لكن مع اجتياح سوريا، ستفرض إسرائيل على حزب الله أن يقاتلها في سوريا وأن ينقل قواته لسوريا، هذا إذا ما امتدت الحرب، فهي لن تقاتل حزب الله مجددا في جنوب لبنان، فهي لا ترغب في تكرار خسارة حرب تموز 2006 مجددا.

وهل يضمن تدخل روسيا القضاء على داعش؟.. ليس بالضرورة، وربما يشتد عود التنظيم - حسب رأي بعض المحللين - لكن الأكيد أن الرسالة الروسية سياسية لإسرائيل، لذلك سافر نتنياهو لروسيا باكيًا من أن التدخل الروسي يزيد من التهديد السوري لجبهة الجولان، وكان رد بوتين بالبلدي "خليك مكانك وماحدش هاييجي جنبك".

من يشاهد حوار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مع عماد مرمر – المذيع بقناة المنار - يعرف أن دخول روسيا على خط المواجهة الإسرائيلية الإيرانية كان بمثابة انتصار لحزب الله؛ لأنه يعيد معادلة سوريا - إيران - حزب الله، ويشل حركة إسرائيل، فإذا كانت روسيا تقاتل بجانب الأسد ضد الدواعش والنصرة والمعارضة، فهي لن تسمح لإسرائيل بأن تجتاح سوريا في حال قامت إيران بالرد على ضربة للمنشآت النووية.

روسيا تشعر بأن الحرب على إيران قد اقتربت، وهي لذلك دخلت على خط الصراع العسكري في سوريا؛ لتؤجل الحرب على إيران، أو توقفها، فإذا كانت روسيا لن تسمح بسقوط الأسد فهي لن توافق على حرب ضد إيران، أو على دولة ولاية الفقيه، الأمر الذي جعل بعض الفيسبوكيين يطلقون على الرئيس الروسي بوتين: الرفيق الفقيه أبو علي بوتين.
الجريدة الرسمية