رئيس التحرير
عصام كامل

الدستور بريء حتى تثبت إدانته


هناك سؤالان يطرحان أنفسهما بعد تصريح الرئيس السيسي الشهير بأن "الدستور اتكتب بالنوايا الحسنة"، وبعد الضجيج المصاحب للتصريح من سياسيين وإعلاميين يريدون تغيير الدستور، وكأن تصريح الرئيس كان إشارة البدء لهؤلاء لكي يظهروا ويطالبوا بتعديل الدستور، مع العلم بأن كل من طالب بتعديل الدستور لم يقرأ صفحة منه، وإن وجد منهم من قرأه فعلى الأكثر قام بقراءة مادتين أو ثلاثة..


السؤال الأول: هل الدستور يطبق الآن؟؟.. الإجابة بكل ثقة: "لا" لم يطبق الدستور، رغم أن المادة "247" وهي آخر مادة في الدستور ومكتوبة في سطر ونصف، تقول "يعمل بهذه الوثيقة الدستورية من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليها في استفتاء، وذلك بأغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين فيه".

السؤال الثاني: طالما أن الدستور لم يطبق ولم نعرف بالتجربة ما هي المواد المناسبة وغير المناسبة، التي "من الممكن أن تعطل البلد" من أجل أن نقوم بتعديلها.. لماذا الكلام عن التغيير؟

واضح جدًا أن هناك سيناريو ألمعيا وجهنميا موضوع للالتفاف على إرادة المصريين الذين خرجوا بالملايين وقالوا "نعم" للدستور بعد 6/30، والسيناريو المعمول لتفصيل الدستور "على المقاس المطلوب"؛ ومن أجل ذلك يلزم مجلس نواب أيضًا "تفصيل"، إذًا ما هو السيناريو وما هي المواد التي تثير مخاوف البعض؟، السيناريو "يظهر والله أعلم" كالآتي:-

1- البرلمان هيتعمل هيتعمل
2- الموافقة على كل القوانين التي صدرت من قبل بأخطائها وعوارها، وسيخرج من يقول "مفيش وقت ومش هنعرف نراجع كل القوانين في 15 يوم، وافق وبعد كدة إللي عايز يعدل يعدل"

3- تعديل مواد الدستور؛ لأنه طبعا كتب بحسن نية وسيخرج علينا من يقول "الدستور مش قرآن"، إذًا ما هي المواد المزمع تعديلها؟، هي بوضوح وبساطة كالآتي:-

- تعديل المادة "140" الخاصة بمدد الرئاسة.. لا تقلق.. ستبقى مدتين فقط كما هي، ولكن ستدخل عليها تعديلات بسيطة في عدد السنوات بدلا من "4" سنوات، ستصبح 5 أو 6 أو 7، وسيخرج علينا من يقول "ده في أمريكا وأوربا بيخلوها خمسة وسبعة؛ لأن 4 سنين مش كفاية، ده الرئيس على ما يخش ويعرف الدنيا فيها أيه في الدولة يكون فات سنة ويبقالوا 3 سنين بس مش هيعرف يعمل فيهم حاجة".. وستفاجأ بعدها بأن الرئيس باقٍ معنا 14 سنة بدلا من 8 سنوات بحكم الدستور.

- المادة "146" الخاصة باختيار رئيس الوزراء "هذه المادة هي التي تقوم بعمل توازن بين الرئيس والبرلمان"، كما يحدث في أي دولة ديمقراطية في الدنيا، دستورها يجب أن ينظم العمل والتوازن بين السلطات الثلاثة، وهذه بالذات هي المسئولة عن هذا التوازن بين السلطة التنفيذية وعلى رأسها الرئيس، وبين مجلس النواب المنتخب من الشعب والمعبر عنه، ولكن لأن الدستور كتب بنية حسنة، فلا داعي للتوازنات، ومرحبًا بالانطلاقات التنفيذية على حساب التشريع.

- المادة 161 التي تعطي البرلمان الحق في سحب الثقة من الرئيس، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهذا قطعًا سيكون من المحرمات.

4- حل البرلمان: أيووووووووة حل البرلمان.. "طب لييييه"؟
أقول لك يا سيدي
أولا: "عشان مش عايزين وجع دماغ".

ثانيا: والأخطر من أجل المادة "142".. "لييييييه دي خطيرة"؟؟؟

بعد قطع مسافة كبيرة من هذا السيناريو، سيكون متبقيا على انتخابات الرئاسة سنة، وهذه المادة تتحدث عن أن المترشح للرئاسة يلزمه توقيع "عشرين برلمانيا" أو "25 ألف توكيل من المحافظات".. وهذا معناه أن "البرلمان ده لو فضل موجود هتلاقي 50 واحد ممكن يجيب توقيع 20 برلماني ويترشح".. ومن الممكن أن حزب النور نفسه يرشح أي شخص أو أن أي شخص يمتلك 20 مليون جنيه يشتري التوقيع الواحد بمليون جنيه.. "طب ولييييييييييييييه؟؟، نريح الصيف من الشتا، وتبقى توكيلات من المحافظات وطبعا أنتوا عارفين سيناريو التوكيلات".

ويتضح من كل ما فات، أن الدستور الذي لم يطبق إلى الآن ولم نعرفه، إلا من خلال الورق، بريء حتى تثبت إدانته.
الجريدة الرسمية