رئيس التحرير
عصام كامل

البطل الخفي في العبور المستحيل !


كان القادة في مصر وسوريا وحدهم من يدركون أن الحرب قادمة لا محالة.. كانت روسيا التي ترسل السلاح إلى الدولتين تعرف أيضًا أنها أيام وتشتعل المعارك..


كان الرئيس حافظ الأسد في الأسابيع التي تسبق المعركة في طريقه إلى مصر لتحدد الموعد النهائي.. كان الرئيس السادات في الإسكندرية وطلب من قادة الجيش إبلاغه بالاختيارات الأنسب لموعد بدء المعركة!

في مكتبه بهيئة عمليات القوات المسلحة تم استدعاء الضابط صلاح فوزي إلى مكتب الفريق محمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة العمليات.. كان صلاح فوزي أحد أبرز ضباط قسم التخطيط.. التكليف واضح ومحدد: "أبحث في الوقت الأنسب لبدء معركة شاملة مع إسرائيل وعبور قناة السويس"، كان الرد معروفًا وحاسمًا: "تمام يا فندم" !

انصرف صلاح فوزي إلى بيته يفكر طوال الطريق.. رغم أنه تم إمهاله أسبوعًا كاملا وليس عليه الاستعجال.. وفي بيته أمسك فوزي المشغول المهموم المهتم بالأمر حتى وهو يفتح باب بيته بأول أوراق بيضاء رآها أمامه.. كانت كراسة المدرسة لابنته الصغيرة.. أمسك بها واندفع إلى حجرة مكتبه واعتبر نفسه في معسكر مغلق!

بين الأوراق والمراجع والأبحاث والدوريات وبعد أسبوع من العمل المتواصل عاد صلاح فوزي إلى قائده المباشر وطلب لقاء قائد الهيئة الفريق الجمسي.. وأبلغه مباشرة ـ وهو يمسك بالكراسة ـ بالموعد الأنسب للعبور وقال عدة كلمات فقط "6 أكتوبر الساعة 2 الظهر يا فندم"!

سأله الفريق الجمسي سؤالا سريعًا: "هل رأى أحد هذه الأوراق ؟ قال فوزي على الفور: "لا أحد في الدنيا كلها يا افندم".. طلب الفريق الجمسي من فوزي أن يشرح وجهة نظره في أسباب اختيار هذا الموعد تحديدًا فقال بشكل عام وإجمالي قبل شرح التفاصيل:

"أولا 6 أكتوبر يوم سبت وهو يوم الإجازه الرسمية المقدسة في إسرائيل وثانيا يوم 6 سيكون المد والجزر الأنسب لقواتنا في العبور والساعة الثانية ظهرًا ستكون الشمس في اتجاه العدو والساعة الثانية أيضًا سيكون باقي على الغروب 4 ساعات بالتمام والكمال وهي الفترة المطلوبة للضربة الجوية التي ينبغي أن تكون في ضوء النهار بشكل كامل "!

وبعد عدة اجتماعات لمناقشة الورقة المقدمة حمل الفريق الجمسي الأوراق وفي انضباط كامل وأعطاها للفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس الأركان الذي أعطاها بدوره إلى المشير أحمد إسماعيل، وزير الدفاع، والذي رفعها على الفور إلى الرئيس السادات، والذي وافق على اليوم على الفور، والذي كان محور اجتماعه بالرئيس الأسد في الإسكندرية والذي جاء باقتراحات أخرى، ولكنه عاد مقتنعًا بالتاريخ الذي حدده صلاح فوزي بطل هيئة العمليات العبقري ابن الجيش العظم، والذي لعب الدور المحوري في العبور باختيار أنسب يوم وأفضل ساعة لتحقيق النصر المستحيل كما كانوا يسمونه ليتحول بكامله إلى أحد دروس التاريخ العسكرية !
الجريدة الرسمية