رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء نصر سالم مدير «الاستطلاع» الأسبق بالمخابرات الحربية: نصر أكتوبر «معجزة عسكرية».. و«الثغرة» صناعة أمريكية

فيتو

>> أرفض وصف ما حدث في 67 بالهزيمة
>> لو ترك الجيش دون أوامر انسحاب لما تمكنت إسرائيل من دخول سيناء.. والضربة الجوية فتحت باب النصر

>> الدفاع الجوي الإسرائيلي كان يطلق نيرانه تجاه طائراته من شدة الفزع


اعتبر اللواء أركان حرب نصر سالم، مدير جهاز الاستطلاع الأسبق بالمخابرات الحربية، حرب أكتوبر أكبر خطة خداع عرفها العالم، خاصة أن العدو الإسرائيلي لم يكن لديه شك بأن المصريين يستطيعون استرداد الأرض بالحرب، مشيرًا إلى أن كل شيء في الحرب كان عبقريًا، وخطة الخداع الإستراتيجي كان لها الأثر الأكبر في نصر أكتوبر المجيد.

وأوضح في حوار لـ"فيتو"، بمناسبة الذكرى 42 لنصر أكتوبر، أنه يحسب للرئيس الراحل محمد أنور السادات أمام التاريخ ملحمة النصر، فضلا عن تفوق الجندي المصري على الجندي الإسرائيلي وعلى نفسه في المقام الأول في هذه المعركة، بالرغم من تفوق المعدات والأسلحة الإسرائيلية بدرجات كبيرة على السلاح المصري.. وإلى نص الحوار


* في البداية كيف بدأ الاستعداد لحرب أكتوبر 73؟
الاستعداد لحرب أكتوبر بدأ مباشرة عقب 5 يونيو 1967، واستمر حتى بعد انسحاب القوات واستمرار أعمال الاستطلاع، حتى بعد سحب القوات عن طريق تجهيز مسرح العمليات وإمداد القيادة العامة بالمعلومات اللازمة، فبعد قرار الانسحاب بدأت القوات المصرية في الارتداد غرب القناة، وصدرت الأوامر لعناصر الاستطلاع أن تظل في مكانها لمتابعة العدو؛ لأن العمل داخل عمق العدو وهو طبيعة عملها، فسيناء منذ يوم 9 يونيو 67 وحتى 6 أكتوبر 73 لم تخل من عناصر الاستطلاع والاستخبارات المصرية، ما جعل سيناء كتابًا مفتوحًا لقواتنا، وأعطت المعلومات اللازمة للقيادة العامة في القاهرة.

وأنا أرفض وصف ما حدث في 67 بالهزيمة، فالقوات المسلحة المصرية لم تهزم في حربها ضد إسرائيل، ولكنها كانت ضحية من ضحايا النكسة وليست سببًا من أسبابها، ولكن هزمنا القائد العام للقوات المسلحة المشير عبد الحكيم عامر؛ بسبب قرار الانسحاب، فالجيش المصري كان متماسكًا ويحارب على الجبهة، حتى بعد تفجير جميع الطائرات المصرية في المطارات، ولو تم ترك الجيش المصري دون أوامر انسحاب لكان منع إسرائيل من الوصول إلى خط 40 كيلو داخل سيناء، ولكن عبد الحكيم عامر كان غير مؤهل لقيادة القوات المسلحة، حتى أن قائد الجبهة والرئيس جمال عبد الناصر لم يكن لديهم علم بقرار الانسحاب.

* ما مهام جهاز الاستطلاع في الجيش المصري؟
مصطلح جهاز استطلاع ظهر بالقوات المسلحة المصرية عام 1974، وقد تم إنشاؤه كفرع من فروع القوات المسلحة عام 1978، فعناصر جهاز الاستطلاع هي عبارة عن رادارات بشرية تستكشف وتجمع المعلومات عن العدو، وترسل تقارير وافية للقيادة العامة في القاهرة، يتم اختيار العناصر بعناية فائقة ممن لديهم قدرات، خاصة مثل إجادة الرماية وحسن التصرف وسرعة البديهة والدقة والانضباط، فضلا عن قدرة التحمل؛ لأن كمية الذخيرة محدودة وكمية الطعام محدودة للغاية، التي كانت تتكون من 750 جرام طعام ولتر مياه طوال اليوم الواحد، فقد كانت دفعتي تتكون من 1000 ضابط من الكلية الحربية، تم فرزهم واختيار 20 ضابطًا فقط منهم؛ للقيام بمهام الاستطلاع خلف خطوط العدو في سيناء، فنجاح الضربة الجوية في حرب أكتوبر بنسبة 80%، ونجاح قوات المدفعية في تدمير تحصينات العدو شرق القناة، يعود الفضل فيه بعد المولى سبحانه وتعالي إلى المعلومات التي أمدت بها عناصر الاستطلاع المتمركزة داخل العدو للقيادة العامة للقوات المسلحة.

* ما هي أصعب اللحظات التي مرت عليك في سيناء؟
لقد واجهت في سيناء ظروفا عصيبة ومصاعب جمة، ففي سبتمبر 1973 ولمدة 3 أشهر، ظللنا نشرب بغطاء الزمزمية لعدم وجود مياه كافية لدينا، حتى أكرمنا الله بنزول المطر ليروي عطشنا، وقبل بداية معركة النصر بنحو أسبوعين، ظللنا محاصرين في موقعنا لا نستطيع الخروج بسبب نشاط الطيران الإسرائيلي، ونحن لا نمتلك أكثر من 6 أيام تعيين طعاما وشرابا، ظللنا 5 أيام دون أي طعام و3 أيام دون أي قطرة مياه، حتى استطعنا الإغارة على دورية إسرائيل مكونة من سيارتين، وبصحبتي اثنان آخران من الجنود، واستولينا على جميع الطعام والشراب والذخيرة التي كانت بحوزتهم.

* هل بالفعل الضربة الجوية كان لها الأثر الكبير في هزيمة العدو الإسرائيلي؟
بالطبع القوات الجوية سطرت نجاحات وبطولات بأحرف من ذهب في تاريخ العسكرية المصرية والعالمية، فقد كانت إمكانيات سلاح الجو المصري أقل من إمكانيات العدو، الذي كان يمتلك 500 طائرة، بينما الطائرات المصرية والسورية معا كانت نحو 400 طائرة، ودعنا لا نتحدث عن الفارق النوعي والتكنولوجي بين الطائرات المصرية والطائرات الإسرائيلية.

* إذا كانت عناصر الاستطلاع هي عين قيادة القوات المصرية داخل سيناء.. فكيف حدثت الثغرة؟
بعد فشل تطوير الهجوم المصري سارعت إسرائيل بتفيذ خطة برج الحمام؛ حيث تم تكليف 3 مجموعات عسكرية للعدو بواجب تنفيذ الثغرة تحت القيادة المباشرة لشارون، وتحت إشراف الجنرال بارليف ممثل رئاسة الأركان، قوة مكونة من 6 لواءات مدرعة أي نحو 540 دبابة، ولواء ميكانيكي 30 دبابة، ولواء مظلات 2000 مظلي، وتركت باقي الجبهة للقوات التي وصلت من الجولان، ومن القوات التي تم استعواض خسائرها بفضل الجسر الأمريكي الذي بلغ ذروته بعد 14 أكتوبر.

وبدأ العدو في تنفيذ خطته للعبور إلى غرب القناة، فور فشل تطوير الهجوم، وكانت مهمة العدو هي مهاجمة منصات الصواريخ سام 2 وسام 3 بواسطة أسلوب الضرب من مسافات بعيدة بقوة 2 إلى 3 دبابات في كل هجوم، والمفاجأة أن العدو استخدم دبابات سوفيتية الصنع طراز بي تي 76 وتوباز البرمائية من مخلفات حرب 67، وقام برفع العلم المصري عليها، وبالتالي لم يكن هناك إنذار أو تحذير مسبق، لذا فوجئت عناصر الدفاع الجوي بقصف الدبابات الإسرائيلية عليها، مستهدفة الرادارات وهوائيات البطاريات، ما أدى إلى تعطل عدد من البطاريات وفتح ثغرة في السماء.

وتوالت المعارك من صباح يوم 16 أكتوبر وحتى صباح يوم 19 أكتوبر، وهنا لا ننسى بطولات اللواء 116 ميكانيكيًا، الذي تم اختراق دفاعاته ووصل العدو إلى مقر قيادته؛ حيث قاتل العميد أحمد عبود الزمر ببسالة حتى استشهد تحت جنزير دبابة إسرائيلية، ليضرب المثل لكل الجيش في البطولة.

كان لدى عناصر الاستطلاع معلومات باحتمال قيام العدو بعمل ثغرة داخل عمق القوات المصرية، ومحاولة العبور خلالها غرب القناة، فقد كانت عناصر الاستطلاع تتابع العدو في المسرح السيناوي، ولكن ما حدث طوال أيام معارك الثغرة هو صناعة أمريكية خالصة، فالحرب الإلكترونية الأمريكية تدخلت للتشويش علينا، الأمر الذي أدى إلى حدوث انقطاع في الاتصالات بين قوات الاستطلاع والقيادة العامة، وشكل دعما كاملا لقوات العدو التي كانت تدعم بالطائرات والدبابات الأمريكية الحديثة التي خرجت من مخازن السلاح الأمريكي.

أما بالنسبة لعناصر الاستطلاع، فقيامنا بإمداد قيادة الجبهة بالمعلومات لم تتوقف وقرار القيادة العامة للقوات المسلحة بتضييق الثغرة جاء نتيجة المعلومات التي قمنا بإرسالها عن القوات الموجودة بالثغرة، وتم تشكيل القوات اللازمة لتدمير الثغرة بقيادة اللواء سعد مأمون، وقبل تنفيذ الهجوم لتدمير الثغرة وصل وزير خارجية أمريكا هنري كيسنجر في ذلك الوقت، وأبلغ الرئيس السادات بأن لديهم معلومات كاملة عن قواتنا التي تستعد لتدمير الثغرة، محذرا بعدم تدمير السلاح الأمريكي؛ لأن الرد حينها سيكون بقوات أمريكية، وطالب كسنجر السادات بوقف الهجوم، وأكد أنه سيتم تحقيق تحرير سيناء من خلال المفاوضات المباشرة التي ستتبناها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ذكاء يحسب للرئيس السادات بعد علمه بانتهاء المخزون الإستراتيجي للبلاد، وأن روسيا لا يمكن الاعتماد عليها في توريد السلاح بعد قيامه بطرد 15 ألف خبير روسي من مصر، لذلك وافق على وقف إطلاق النار حتى لا يدخل الجيش المصري في مواجهة مباشرة مع الجيش الأمريكي، وهذا ذكاء سياسي وعسكري للسادات؛ للحفاظ على الجيش المصري من الهلاك، فيكفي ما دفعته مصر من شهداء تجاوزوا أكثر من 130 ألف شهيد على مدى أربعة حروب ماضية، بالإضافة إلى 150 مليار دولار ما زال الاقتصاد المصري يعاني منها حتى الآن. 

* ما هي رسالتك لقيادات الجيش المصري وعلى رأسهم رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة في حربهم ضد الإرهاب؟
أشيد بعمل عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، في مواجهة الإرهاب وجهود رجالنا البواسل من القوات المسلحة في الحرب الدائرة الآن مع قوى الظلام والإرهاب، فالحرب على الإرهاب لا تقل أهمية وخطورة عن حرب أكتوبر بل هي أصعب منها؛ لأنك لا تحارب اليوم جيشًا نظاميًا محددًا، ولكن تخوض حرب شوارع مع عناصر كالأطياف والأشباح، فهو عمل ممتاز أسأل الله أن يوفقه، وأطالبه باستثمار روح أكتوبر للقضاء على الإرهاب.
الجريدة الرسمية