رئيس التحرير
عصام كامل

الدولة والتنمية القومية


قد قامت الثورات في العالم العربي؛ لأنه كانت هناك مقاومة عنيفة من النظم العربية الشمولية والسلطوية للتحول الديمقراطي، الذي كان يعني بكل بساطة التنازل عن قسط كبير من الهيمنة السياسية على المجتمعات، بالإضافة إلى خسارة مزايا طبقية ومالية كبرى للنخب السياسية الحاكمة.


لكن – نظرا للتطورات التي لحقت بالعالم - وأهمها بزوغ المجتمع المدني العالمي، الذي يطالب كل النظم السياسية بالانتقال لقواعد الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان من ناحية، والضغوط الشعبية العربية من جهة أخرى، اضطرت بعض النظم السلطوية العربية مثل النظام المصري في عصر "مبارك"، للخضوع إلى ضغوط الخارج ومطالب الداخل.

وتمثل هذا الخضوع في إجراء بعض التعديلات الشكلية في دساتيرها، كما حدث في مصر؛ حيث تحول الاستفتاء على منصب رئيس الجمهورية إلى انتخابات تنافسية.

وفي تقديرنا، إنه بقيام هذه الثورات لا يجوز أن نتحدث عن التحول أو الانتقال الديمقراطي؛ لأن الثورة – بحسب التعريف - من شأنها أن تعيد بالكامل صياغة أدوار أطراف المعادلة السياسية، ونعني الدولة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني.

وفي ضوء هذه التجربة التاريخية المصرية، فإن النظام السياسي الجديد الذي ينبثق من ثورة 30 يونيو، يعيد في الواقع صياغة دور الدولة ويفسح الطريق واسعا وعريضا لعودة نموذج "الدولة التنموية"، التي رسختها ثورة يوليو 1952، باعتبار أن مهمتها الرئيسية هي التنمية الشاملة من خلال القيام بمشروعات قومية كبرى.

وقد بدأ الرئيس "السيسي" هذا العصر التنموي الجديد في مصر بمشروع "قناة السويس الجديدة"، التي اعتمد لأول مرة في تمويلها على الاكتتاب الشعبي الذي نجح نجاحا ساحقا، وعلى الإدارة الهندسية للقوات المسلحة لتنفيذه في عام واحد بدلًا من ثلاثة أعوام كما كان مقدرا، وتم ذلك على أعلى مستوى.. وقد توج هذا المشروع القومي الكبير بافتتاح تاريخي حضره عديد من ملوك ورؤساء العالم.

وقد أعلن أيضا عن مشروع زراعة المليون فدان، بالإضافة إلى مشروع بناء عاصمة جديدة.. ويعني ذلك أن "الدولة التنموية" عادت بأقوى مما كانت حتى في الحقبة الناصرية، ولم تعد التنمية "إقطاعًا" للنظام الخاص، كما فعلت الدولة في عهد "السادات" أو في عصر" مبارك"، الذي تزاوجت فيه السلطة مع الثروة، ما أدى إلى استفحال الفساد وإفقار ملايين المصريين.. وإذا كان قد تم رفع علم "الدولة التنموية" من جديد، فماذا عن دور الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني؟

هذا سؤال بالغ الأهمية، ولا يمكن الإجابة عنه بغير تحليل نقدي لممارسات الأحزاب السياسية تقليدية كانت أو جديدة بعد ثورة 25 يناير، وكذلك ممارسات مؤسسات المجتمع المدني.

تبين من الممارسة "الديمقراطية" الفعلية بعد الثورة، أن الأحزاب السياسية التقليدية ليس لها أي ظهير شعبي، وكذلك الأحزاب السياسية الجديدة التي نشأت بعد الثورة، وخصوصا تلك التي أسسها النشطاء السياسيون، التي ظهر أنها في الواقع أحزاب "كرتونية" ليس لها أي تأييد شعبي، ومن هنا فهناك ضرورة ملحة لكي تقوم الأحزاب السياسية بتحويل نفسها إلى أحزاب تنموية، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني.
الجريدة الرسمية