رئيس التحرير
عصام كامل

أوهام الحرب العالمية الثالثة.. والأخيرة!


الحديث عن الحرب العالمية الثالثة بكثافة، جزء من الحرب الإعلامية على التدخل الروسي.. جزء من إظهار مخاطر ما يجرى، وأنه يضع العالم على حافة الهلاك، وأن روسيا مخطئة، وأن عليها التوقف عن ذلك.. السؤال هو: لماذا تشتعل الحرب العالمية الثالثة أصلا؟.. من أجل سوريا؟.. هل من أجل إنجاح الربيع العربي بالقوة؟.. وهل هناك عالم سيبقى ليستمتع أصلا بنجاح الربيع العربي بالقوة؟!


ذات يوم سـألوا ثعلب السياسة الأمريكي هنري كيسنجر، لماذا تعارض أمريكا فكرة نزع السلاح النووي بشكل كامل من القوى العظمى، رغم أنه حل يحمل الأمان للعالم؟.. فقال: "لأن الاتحاد السوفيتي - وكانت روسيا أكبر جمهورياته قبل تفككه - مساحته شاسعة، ولديه مناطق جليدية كبيرة، وإمكانية إخفاء بعض الأسلحة النووية فيها وارد جدا"، ولذلك ارتضى الجميع بنظرية الردع.. أي أن تتوازن القوتان الأعظم، وبالتوازن - توازن الرعب النووي كما يسمونه - لن تقع الحرب أبدا!

لكن من أي شيء كان يخشى كيسنجر؟.. كان يخشى من إخفاء بعض الأسلحة، ستكون كفيلة لتدمير الولايات المتحدة تماما وما حولها.. ماذا يمكن أن يجرى للعالم إن اشتعلت الحرب العالمية الثالثة في ظل تضاعف الترسانتين النوويتين الروسية والأمريكية منذ كلام كيسنجر، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل دخلت قوى نووية أخرى على الخط، منها الصين وباكستان والهند والعدو الإسرائيلي، فضلا عن بريطانيا وفرنسا، وبالتالي فأي حرب عالمية تعني انتحار لكوكب الأرض!

سيقول البعض: الحرب ستكون بالأسلحة التقليدية وليست النووية، وهنا نقول: هل ستدخل أمريكا الحرب ضد روسيا؛ لأن روسيا تهاجم المعارضة السورية؟.. هل هذا معقول؟.. هل هذا مبرر كافٍ؟.. وهل ستقبل أوربا أن تدعم ذلك؟.. وإذا دعمته هل تقبل أن تدفع أوربا ثمن حماقة أمريكا وأوباما؟

السؤال الأهم: هل يمكن أن تترك سوريا وحلفاؤها روسيا بمفردها في المعركة؟.. بالقطع لا، وأول من سيدفع الثمن مباشرة هي إسرائيل التي يوجه حزب الله إليها الآن أكثر من 40 ألف صاروخ - من أنواع مختلفة - وفق التقديرات الإسرائيلية، وتدميرها صعب لتحصيناتها واتساع مساحة تخزينها، وسوف تنطلق كالمطر مع لحظات الحرب الأولى، فضلا عن دعم خليجي مؤكد لوجيستي على الأقل لأمريكا، وبالتالي ستكون هذه الدول هدفا لروسيا ولإيران..

وقد تستغل إسرائيل الأمر وتستخدم سلاحا نوويا ضد هدف تختاره، ومن المستحيل - لمخاطر السلاح النووي - أن تستخدمه ضد دولة قريبة منها، ولكن استخدامه سيؤدي إلى دخول السلاح النووي إلى المعركة.. ولذلك نعود للسؤال: لماذا تنطلق حرب عالمية أصلا خسائرها هكذا؟!

والإجابة طبعا باستحالة ذلك.. تبقى الحرب لأسباب اقتصادية كتجارة السلاح وتشغيل المصانع الأمريكية أو من أجل النبوءة الدينية.. والأولى مستحيلة في ظل حالة كساد اقتصادي، لا يتحمل معه العالم اشتعال المنطقة وتوقف تصدير النفط، والاعتداء على مصالح الدول المشتركة في القتال من مجموعات تؤيد كلا من أطرافها..

وأما النبوءة الدينية فتحتاج مقالا منفردا.. وإلى حين ذلك لا يبقى أمام أمريكا إلا محاولة استنزاف روسيا، وإبقاء الحرب مشتعلة أطول فترة ممكنة، وإرهاب روسيا ببعض العمليات الانتقامية ضد مصالحها في الداخل والخارج، وهو ما تنتبه له روسيا جيدا، وربما استعانت بالفعل من قوات برية من دول حليفة كالشيشان أو روسيا البيضاء أو حتى بشكل مباشر - كما تردد - من إيران للحسم على الأرض!

روسيا تخرج للعالم بعد انكماش دام ربع قرن تقريبا، ولن تعود القوات إلى موسكو أبدا إلا بعد تحقيق انتصار مؤكد.. هناك في سوريا، وليس بالمساومة على أي مكسب آخر في أوكرانيا مثلا.. فات أوان ذلك.. وطالما تحرك الجيش الروسي فلن يقبل إلا بالنصر العسكري، ولن يوقفه إلا النصر السياسي، وفي سوريا أيضا وليس في أي مكان آخر.

والخلاصة:
اهزموا الحرب الإعلامية أولا.. فلا حرب عالمية ثالثة؛ لأن الثالثة ستكون الأخيرة!
الجريدة الرسمية