رئيس التحرير
عصام كامل

الكشف الطبي على المخدرات.. نكتة بايخة


من المثير للسخرية والشفقة ما وصلت إليه نتائج الكشف الطبي على المرشحين نوابا للبرلمان، فالنتائج غريبة وتعبر عن شيء آخر غير الموضوع المعلن "الكشف عن تناول المخدرات واللياقة الصحية" سواء من حيث الدقة أو التكاليف التي تعبر عن الانتهازية والاستغلال والاحتقار الحكومي للإنسان المصري مواطنا كان أو نائبا، فقد بلغ أداء إحدى وزارات الحكومة وهي وزارة الصحة وملحقاتها إلى الحضيض حيث تعاملت الوزارة مع قضية تكرار الكشف الطبي على الراغبين للترشح في الانتخابات البرلمانية باعتبارهم صيدا ثمينا وزبونا يسهل ابتزازه للحصول على رسوم جديدة تنعش الصناديق الخاصة أو خزينة الدولة مقابل أردأ خدمة طبية مبتسرة على مستوى العالم في القرن الحادي والعشرين.


أما نتائج الفحوص الطبية فكانت من عجائب الانتخابات النيابية على مر التاريخ، حيث لم تكن تلك الفحوص بالدقة المطلوبة التي تبعث على الثقة في الغرض الحقيقي من وراء فرضها، فلا هي حققت الهدف المعلن لاستبعاد المرضى بأمراض خطيرة ولا هي استبعدت متناولي المخدرات المخضرمين فعليا لعشرات السنين، وقد بلغت ثقة بعض متناولي المخدرات أنهم لم يتوقفوا عن جلسات الأنس والدخان الأزرق قبل الفحص الطبي بأربع وعشرين ساعة ثقة منهم في النتيجة، وكانت نتيجة الفحص لهؤلاء: لائق !!!

بينما استبعد أستاذ جامعي مرموق في إحدى كليات الطب بدعوى تناول منشطات "أنفيتامين" ولم تفلح الفحوص الطبية المتعددة والدقيقة في إعادته إلى كشف المقبولين رغم أنه تجاوز الكشف الطبي السابق بنجاح في المرحلة، والمرشح الآخر استبعد لسبب أكثر عجبا وهو عدم تقديم المؤهل الدراسي، مع أن هذا المرشح سبق أن قدم أوراقه كاملة منذ المرحلة السابقة ووضعت اللجنة العليا للانتخابات اسمه في كشوف المقبولين وحصل على الرمز الانتخابي، ولم يسحب أوراقه من اللجنة منذ فبراير الماضي ومعه ما يثبت تقديم أوراقه بما فيها المؤهل الدراسي كاملة، ترى أين اختفى مؤهله الدراسي؟

وما يزيد الطين بلة أن اللجنة العليا للانتخابات ومؤسسات الدولة ووزاراتها لم تتعامل مع قضية الكشف الطبي باحترام ومسئولية وشفافية تحفظ كرامة المرشحين الذين أثبتت التقارير الطبية المشكوك في أمانتها أنهم لا يصلحون لممارسة العمل النيابي، وقد أساء إعلان النتائج في الصحف والمواقع الإلكترونية إلى سمعة بعض المرشحين لدرجة أن أحدهم اشتكى مر الشكوى من سوء فهم وتفسير أهالي دائرته لنتيجة التحاليل الطبية، كما أن الأموال التي حصلتها وزارة المالية بمعرفة موظفيها ووزارة الصحة هي رسوم حصلت بدون خدمة صحية فعلية أو تقدير تكاليف مناسب، وترتب على ذلك دخول تلك الأموال السحت إلى خزينة الدولة أو الصناديق الخاصة لتوزع كمكافآت عن عمل غير حقيقي وهو أشبه بالإتاوة التي يفرضها البلطجية وأصحاب النفوذ على الجمهور الذي يرضخ تحت سيف الحياء أو الجشع والطمع، أو كرسوم النظافة التي يدفعها المواطن مرتين مرة ضمن فاتورة استهلاك الكهرباء ومرة أخرى للجامع القمامة الفعلي في الحي، أليس من حق المواطن وفقا للدستور التمتع بالرعاية الصحية الكاملة ودفع رسوم واحدة عن الخدمة الواحدة؟

وبما أن كل ما يؤخذ بسيف الحياء هو باطل، فإن الرسوم التي حصلتها وزارة الصحة مقابل الكشف الطبي المتكرر ممن سبق لهم إجراء الفحوص الطبية منذ بضعة أشهر هي أموال سحت وحرام لن تنفع الدولة ولا وزارة الصحة ولا من حصلوا منها على مكافآت نظير عمل تقليدي روتيني، والطريقة التي حصلت بها توجب المساءلة لكل من قنن أسلوب جبايتها إذا كنا حقا جادين في تأسيس دولة القانون والعدل وتكافؤ الفرص، أما إذا كنا نتشدق بالشعارات الجوفاء لتخدير الضمائر فإن المصير معروف.

لقد أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما غريبا ومفاجئا يوم 7 سبتمبر 2015 لا يعتد هذا الحكم بالكشف الطبي الذي أجراه المرشحون للانتخابات البرلمانية منذ ستة أشهر تقريبا، وطالب حكم محكمة القضاء الإداري بإجراء الكشف الطبي مرة أخرى على كل المرشحين الذين قاموا بإجراء الفحوصات الطبية منذ بضعة أشهر، إلى هنا والمسألة تدخل في نطاق احترام أحكام القضاء الذي لا يعقب على أحكامه إلا من خلال درجات التقاضي وبغض النظر عن قبولها أو عدم قبولها منطقيا فإنها تتعارض مع مبدأ المساواة؛ لأن من قدم أوراقه في المرحلة الثانية لم يدفع سوى رسوم واحدة بينما تم تحصيل رسوم الكشف مرتين ممن تقدموا بأوراقهم للمرة الثانية.

والغريب أن السادة المرشحين للانتخابات البرلمانية والذين لا ذنب لهم في تأخير أو تعديل مواعيد الانتخابات البرلمانية رضخوا للابتزاز الرسمي رغم أن المسئول الأول عن هذا الخطأ هو الحكومة والفريق القانوني الذي وضع تشريعات البرلمان وقوانينه الثلاث التي نقضتها المحكمة الدستورية العليا وحكمت ببطلانها، فلماذا يتحمل المجني عليه خطيئة الجاني واستغلاله وجشعه؟ والأكثر طرافة أن اللجنة العليا للانتخابات لم تطعن على الحكم وتبين ما به من عوار قانوني وهي أول من يعلم أبعاده وحقيقته.

ومن العجيب أن غالبية السادة النواب الجدد لم يتوقفوا للدفاع ولو باللسان عن حقهم القانوني والدستوري في الامتناع عن دفع الرسوم الجائرة للمرة الثانية على نفس الفحوص الطبية، بل سارعت جموع المرشحين- عدا قائمة صحوة مصر وبعض الأفراد- زرافات ووحدانا إلى دفع الرسوم الجائرة للمرة الثانية ليتحملوا نتيجة خطأ لم يرتكبوه، ولم ينتبه معظم المرشحين إلى أن إجبارهم على الخضوع لمبدأ الجباية القسرية فيه نوع من الإذلال المسبق لإرادتهم، فكيف يقف من ينجح من هؤلاء النواب للدفاع عن حقوق ناخبيه وكرامتهم مستقبلا، يا سادة من يفرط في حقه القانوني والأخلاقي أعجز من أن يدافع عن حقوق الغير من موكليه ( الناخبين )، يا سادة أليست هذه هي الحقيقة العارية ؟.
الجريدة الرسمية