رئيس التحرير
عصام كامل

نداء لرئيس الجمهورية!


الموضوع كان خطيرًا للغاية، لا يُمكن أن يوكَل أمره لشيخ الحارة، أو رئيس الحي، أو حتى المُحافظ، سيبك من الوزير المُختص، وحتى مجلس الوزراء بأكمله، وليه تلجأ لأي حد من دول لما مُمكن تلجأ لرئيس الجمهورية مُباشرةً؟

أرجوك تلاحظ أن رئيس الحي فوقيه رئيس مدينة، والوزير فوقيه رئيس مجلس وزراء، الأمر مايخلاش من موافقة، إمضا، ختم، مُستند أو مُستخرَج رسمي، لجنة يتم تشكيلها، فينبثق عنها لجان فرعية، تدرس وتمحص وتنتقل وتشرب الشاي والسجاير والقهوة، وأكيد كُل ده مش على معدة فاضية، إذن الأمر مايخلاش من كشري بالكبدة، أو كشري خالي ورد، فشة وممبار، بقسماط وجبنة إسطنبولي، لكن رئيس الجمهورية لما يقول كذا، كُله بينفذ أوامره في الحال!

يعني باختصار ليه تلجأ لأي بني آدم، لما مُمكن تشُق طوالي على سكة الرياسة؟.. والأمر سهل، عليك وعلى أي قناة فضائية، وهما كتير، وعاوزين يشتغلوا، والمُعدين على قفا من يشيل، وكذلك إخواننا المُذيعين، والفرقعة الإعلامية هوب توب باق فوق.. ونخاطب، ونناشد، ونصرَّخ، ونصوَّت، ونلطُم، واشمعنى الرياسة تدخَّلت مع فلان، لازم تتدخَّل مع ترتان!

مُشكلة (السيد منصور) كانت في أن البقال بتاع الحتَّة بيسيب الحلاوة الطحينية في الحَرّ، وبالتالي كانت بتبقى ملزَّقة لما بييجي يشتريها منه، حاكم هو بيحب يفطر حلاوة طحينية الصُبح في البيت، قبل ما يروح المصلحة إللي بيشتغل فيها يكمل فطار فيها، هناك بيجيبوا طعمية سُخنة من عند (زكريا أبو وافية) صاحب عربية الفول والفلافل إللي على الناصية جنب الجوازات، بيحُط معاها شوية جرجير وطماطم طرانشات، ده غير مخلل الفلفل والجزر واللفت والخيار، وطبق الفول بالزيت الحار والليمون، حتى أيام ما كان الليمون بتلاتين جنيه، كان بيحُط لهم فص ليمون برضو، أصل مُدير المصلحة قريبه، وبالتالي إحساسه بالمسئولية تجاه الموظفين لا يقل عن إحساس المُدير، بل يزيد، بقول لك الكيلو كان بتلاتين جنيه!

المُهم (السيد منصور) فكَّر يكتب شكوى في البقال، ويبعتها للصحة، أو للتموين، أو للمُحافظة، لكن زمايله في الشُغل نصحوه في ساعة صفا وهُما متجمعين نحو المكتب بتاعه ونازلين حَش في طعمية (أبو وافية) السُخنة الملهلبة، بأنه يقتصر الطريق، ويناشد رئيس الجمهورية مُباشرةً، والموضوع ديّته معروفة، هتطلع على الفضائيات تشتكي من جرايم البقال في حقوق الإنسان، واستهدافه لصحة المواطنين، ومطلوب من رئيس الجمهورية يتدخَّل، ويقنع حضرته بأنه ينقل مكان زنك الحلاوة من الحتة الحَرّ للحتة البرد شوية، ويحرَّج عليه أنه يحُطها في التلاجة؛ علشان التلاجة بتسيَّحها زيادة!

وهناك مكسب إضافي لسي (منصور)، وهو أنه سيتحوَّل لنجم تليفزيوني ساطع، بمُجرَّد ما يطلع في برنامج ويتكلِّم ويناشد الرئيس، هتلاقي كُل البرامج بتطلبه، وجايز (السبكي) يطلبه هو كمان في فيلم جديد على عيد الفطر إللي جاي، بالإضافة لذلك فإن سُمعته في الحتَّة هاتبقى زي الطبل، والبقال والمكوجي والجزار هيعملوا له مليون حساب، يعني باختصار أصبح الرجُل مركز قوى، ومش بعيد يتوافد عليه الأهالي علشان يتوسَّط لأولادهم يتوظَّفوا في الحكومة، أو يجيب لُهم شقق في المُحافظة، أو يطلعوا الحِج، أو يكلِّم لُهم (السبكي) برضو علشان ياخُدهم مجاميع صامتة في الفيلم إياه!

أجمل ما في الموضوع هو أن (السيد منصور) ما استخدمش ورق المصلحة بتاع الحكومة في أنه يكتب الشكوى لرئيس الحي، أو للصحة، بعدما قرر مُناشدة رئيس الجمهورية إعلاميًا بشكل مُباشر، خصوصًا أن ورق المصلحة بيتم استهلاكه أول بأول في مسح الأيدين من الزيت بعد أكل طعمية (أبو وافية) كُل يوم الصُبح!

أما (هاني حليم) زميل (السيد منصور) في نفس الشُغل، فقد قرر تصعيد الموقف الخطير لرئيس الجمهورية أيضًا، فليس من المعقول ولا المقبول أنه يسيب لكُمسري الأتوبيس كُل يوم رُبع جنيه أو نُص جنيه علشان مفيش فكَّة، ومن المؤكد أن مُناشدة الرئاسة للتدخُّل في ذلك الأمر ستضمن إصدار قرار، أو قانون، أو قرار بقانون مُلزم لكُل كُمسري قطاع عام أنه يشيل معاه 50 جنيه فكَّة؛ علشان يرجَّع الباقي بدقة مُتناهية للمواطنين إللي مش معاهم فكَّة!

أحد الإعلاميين النُبهاء قرر التجويد في الموضوع، فطالب رئيس الجمهورية بمنح كُل موظف عمومي زيادة قدرها 30 جنيه فكَّة شهريًا (أنصاص وأرباع) من أجل مواجهة أزمة الفكَّة، وقال بحماس شديد: أيه يعني لما نضرب 30 جنيه في 7 ملايين موظف، هيكون الناتج 210 ملايين جنيه إضافي شهريًا؟ وماله، مش أحسن ما نعمل مُشاحنات بين الرُكاب والكمسرية؟.. ونتسبب في أن الراكب من دول يتعطَّل عن الوصول للمصلحة إللي بيشتغل فيها، وبالتالي على ما يوصل يلاقي الطعمية بتاعة (أبو وافية) بردت؟.. ده أكيد مايرضيش حد.. طبعًا مايرضيش حَد، من مصلحة مين إيقاف عجلة إنتاج عجينة الطعمية؟!

موضة اللجوء المُفرط لرئيس الجمهورية لحل أي مُشكلة وكُل مُشكلة، موضة سايدة حاليًا، زيَّها زي موضة السوالف الطويلة، وموضة بنطلون رجل الفيل، وموضة النشطاء السياسيين إللي بيلبسوا كوفية على تي شيرت بنُص كُم في عزّ الصيف، وموضة هوجة محال تأجير شرايط الفيديو، إللي كان كُل شارع فيه أربعين محل منها، قبل ما الأربعين محل كُلهم يتحوّلوا لسنترالات خاصة وبيع لكروت الشحن وخطوط المحمول!

ولم تكُن مُشكلة (سناء علي عبيد) أقل تعقيدًا من أن يتم تصعيدها لرئيس الجمهورية مُباشرةً؛ إذ اكتشفت (سناء) أن زوجها يُفرط في تدخين السجائر خارج المنزل مُخالفًا اتفاقيتهما السارية بينهما في ذلك الصدد، التي تنُص على أن يكتفي بعلبة سجائر واحدة يوميًا، يعني علبة سجائر بـ10 جنيهات في 30 يوما، بـ300 جنيه في الشهر، وهو مبلغ يستهلك كثيرًا من ميزانية البيت ومصروفه وراتب الزوج والزوجة، وبالتالي فإن الخيانة التي يقوم بها الزوج بأنه يدخَّن علبة زيادة في الخباثة برَّة البيت، أو في الحمام، تعني أن التكاليف ستتضاعف، وأن مُستقبل العيال هيضيع، وسيكون على الأسرة أنها تقصَّر في حقوقهم من ناحية الدروس الخصوصية، وكروت شحن الموبايل، وسُرعة إنترنت الواي فاي!

ولجأت (سناء علي عبيد) لحل مضمون، وهو أن تُساهي زملائها في المصلحة، وتسرق من وراهم ورقة فاضية من بتاعة الشُغل قبل ما يخلَّصوا فطارهم ويمسحوا أيديهم في الورق كُلّه، وتعمل عليها حِسبة بسيطة؛ استعدادًا لتوجيه النداء المصيري لرئيس الجمهورية، وأصبح المطلوب من الرئيس حاجة من تلاتة، إجبار زوجها على أنه يلتزم بتدخين علبة سجائر واحدة يوميًا، أو إصدار قرار بقانون بتخفيض سعر علبة السجائر من 10 جنيهات إلى 5 جنيهات فقط؛ كي لا يجور زوجها على ميزانية البيت، أما الخيار الثالث فهو إصدار تعليمات رئاسية مُباشرة للشركة الشرقية للدُخان بأنها تخلي علبة السجائر فيها 40 سيجارة بدلًا من 20!
الجريدة الرسمية