رئيس التحرير
عصام كامل

أرض الخوف

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

في محافظات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، مجرمون وبلطجية يعيثون في الأرض فسادا، يقتلون ويسرقون، يفعلون كل شئ، لا يخشون أحدا، يدهسون القانون بأقدامهم، يخلقون عالمهم كما يريدون، لا يهابون مجتمعا، ولا يقدرون عُرفا، ولا يوقرون كبيرا، ولا يرحمون صغيرا، قلوبهم كالحجارة إن لم تكن أشد، تحترف القسوة وتستلذها، لا تعرف لينا ولا رفقا.


لا أحد يعلم على وجه اليقين متى ولماذا وكيف نشأت وتشكلت ونمت وترعرعت وتمددت تلك البؤر الإجرامية، وصارت واقعا أليما وورما خبيثا في جسد مجتمع يوصف بأنه مسالم بطبعه، لا أحد يعلم على وجه اليقين، أين كانت الشرطة عندما تشكلت دلجا في المنيا وكرداسة في الجيزة والمثلث الذهبى في القليوبية، وبحيرة المنزلة في الدقهلية ودمياط وبورسعيد، والرويسات في الشرقية والنزلة المستجدة في الفيوم وغيرها وغيرها الكثير، وجميعها تتخذ من العنف دستورا ومن القتل قانونا، وتقف دونها العدالة عاجزة بائسة يائسة.

في محافظات مصر، مناطق وبؤر عديدة، الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود، شكلت فيما بينها ودون اتفاق مسبق، ما يمكن تسميته «أرض الخوف»، أو «جمهورية الفوضى»، أو «دولة البلطجة»، تمويلاتها من التجارة الحرام، السلاح موجود وبكثرة تفوق الخيال، لا أحد قادر على كسر شوكة عتاة المجرمين الذين يسكنونها، على كثرة الحملات الأمنية التي تستهدفهم، لا قانون يرهبهم، ولا دين يجفف منابع الشر داخل نفوسهم، أعدادهم في اطراد، بحسب الإحصائيات المتخصصة وخبراء الأمن الذين ارتقوا أرفع المناصب، وفى الحوار الذي أدلى به مساعد وزير الداخلية السابق اللواء محسن حفظى، لنا في هذا الملف مفاجآت صادمة، تؤكد أن هناك خطرا موازيا لخطر الإرهاب ينهش في جسد المجتمع المصرى، يتمثل في مئات الآلاف من البلطجة الذين يجسدون تحديا مؤلما للجميع، لا يقل ألما عن خطر الإرهاب.

نعم، لا يجب أن نضع رؤوسنا في الرمال، ونكذب الصدق، ونصدق الكذب، فالبلطجية في مصر، يفرضون سطوتهم ونفوذهم، ويُعملون إجرامهم، من خطف إلى اغتصاب، إلى ترويع، إلى سرقة، إلى قتل وإزهاق الأرواح، دون أدنى خوف من العقوبة، فمن أمن العقوبة أساء الأدب، وهم شبوا على عدم الردع والخوف، فمن يصدق أن هناك مناطق وبؤرا محرمة على الشرطة، لا تجرؤ على اقتحامها، بسبب العتاد والسلاح الثقيل الذي يتحصنون به، ومنذ أيام قليلة جرت وقائع مذبحة عنيفة بين عائلتين في إحدى قرى الصعيد، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، والتزمت الشرطة الصمت، ولم تحرك ساكنا، لأنها من تلك المناطق المحظورة عليها دخولها، وهو ما يعكس فداحة الأمر، ويؤكد -كما أسلفت- أننا بصدد خطر مواز، إن لم يكن أشد، للإرهاب.

وإذا سأل سائل عن القانون ودوره في مواجهة دولة البلطجية والمجرمين، فإن الإجابة باختصار، تؤكد أن هناك قانونا بالفعل تم تشريعه لكبح هؤلاء الخارجين، ولكنه كغيره من القوانين البائسة، مجرد حبر على ورق، لا أثر له، ولا يتم تطبيقه إلا على عدد محدود ممن لا يملكون ظهيرا داعما لهم، وبشكل عام فإن القانون في مصر لا يطبق إلا على الضعفاء والمستضعفين والمعدمين ومعدومى الحيلة، القانون في مصر لا يتم تفعيل نصوصه إلا في حالات نادرة، وضد نفر قليلين، أما كبار المجرمين فهم غاليا خارج دائرة العقاب والملاحقة، وإلا ما بقوا حتى الآن بين ظهرانينا.

ولمن لا يعرف، فإن هناك قانونا ينظم التجريم والعقاب على تلك جرائم البلطجة والترويع، حيث حدد قانون العقوبات، في المادتين375 مكررا و375 مكررا( أ) بشأن العقاب على ظاهرة البلطجة وترويع المواطنين، عقوبات قاسية تصل إلى الإعدام والسجن المؤبد والسجن المشدد على تلك الجرائم، وتنقسم تلك الجرائم إلى جريمتين وذلك على النحو التالي:
الأولى- جريمة البلطجة العادية المضافة إلى قانون العقوبات بالقانون رقم10 لسنة2011، حيث تضمنت المادة375 مكررا من قانون العقوبات المضافة بقانون رقم10 لسنة2011 أنه مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد واردة في نص آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو بواسطة الغير باستعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد بأيهما أو استخدامه ضد المجني عليه أو مع زوجه أو أحد أصوله أو فروعه، بقصد ترويعه أو التخويف بإلحاق أي أذي مادي أو معنوي به أو الإضرار بممتلكاته أو سلب مال أو الحصول على منفعة منه أو التأثير في إرادته لفرض السطوة عليه أو إرغامه على القيام بعمل أو حمله على الامتناع عنه أو لتعطيل تنفيذ القوانين أو التشريعات أو مقاومة السلطات أو منع تنفيذ الأحكام، أو الأوامر أو الإجراءات القضائية واجبة التنفيذ أو تكدير الأمن أو السكينة العامة، متي كان من شأن ذلك الفعل أو التهديد إلقاء الرعب في نفس المجني عليه أو تكدير أمنه أو سكينته أو طمأنينته أو تعريض حياته أو سلامته للخطر أو إلحاق الضرر بشيء من ممتلكاته أو مصالحه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو اعتباره، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات إذا وقع الفعل من شخصين فأكثر، أو باصطحاب حيوان يثير الذعر، أو بحمل أية أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات أو مواد حارقة أو كاوية أو غازية أو مخدرات أو منونة أو أية مواد أخرى ضارة، أو إذا وقع الفعل على أنثي، أو على من لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، ويقضي في جميع الأحوال بوضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها.

الثانية:- جريمة البلطجة ذات الظروف المشددة المضافة إلى قانون العقوبات بالقانون رقم10 لسنة2011، حيث تضمنت المادة375 مكررا( أ) من قانون العقوبات المصري المضافة بقانون رقم10 لسنة2011 أنه «يُضاعف كل من الحدين الأدنى والأقصى للعقوبة المقررة لأية جنحة أخرى تقع بناء على ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة رقم375 مكررا سالفة الذكر في الإجابة السابقة، ويرفع الحد الأقصى لعقوبتي السجن والسجن المشدد إلى عشرين سنة لأية جناية أخرى تقع بناء على ارتكابها، وتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن إذا ارتكبت جناية الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة المفضي إلى موت المنصوص عليها في المادة(236) من قانون العقوبات وهي المادة المتعلقة بجريمة الضرب المفضي إلى الموت- وذلك بناء على ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة رقم375 مكررا- سالفة الذكر- في الإجابة السابقة، فإذا كانت مسبوقة بإصرار أو ترصد تكون العقوبة السجن المؤبد أو المشدد، وتكون العقوبة الإعدام إذا تقدمت الجريمة المنصوص عليها في المادة375 مكررا- سالفة الذكر- أو اقترنت أو ارتبطت بها أو تلتها جناية القتل العمد المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة(234) من قانون العقوبات، وهي المتعلقة بالقتل العمد، ويقضي في جميع الأحوال بوضع المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها عليه بحيث لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنين.

وتتضمن هاتان الجريمتان على النحو المتقدم عقوبات شديدة على جريمتي البلطجة العادية والبلطجة ذات الظروف المشددة لكل من تسول له نفسه البلطجة أو ترويع المواطنين على خلاف أحكام القانون، ورغم ذلك فإن هذا القانون يبقى بلا أثر، وبلا أدنى قيمة، طالما بقى سيفا مسلطا على الصغار، ومجرد حبر على ورق بالنسبة لكبار المجرمين وعتاة الخارجين عن القانون.

وفى الصفحات التالية نطرح ملف تلك البؤر الإجرامية، ونلقى الضوء على بعض منها، ونكشف كثيرا من المفاجآت الصادمة، أملا في وطن بلا مجرمين وبلا إرهابيين، وطن لا يعرف أبناؤه الخوف والترويع، ولنؤكد لهم أن مصر ليست أرض الخوف، بل أرض الأمن والأمان والاستقرار.
الجريدة الرسمية