رئيس التحرير
عصام كامل

بائع سريح.. وصاحب جريدة!


ما المفروض أن تفعله وزارة التضامن لإنقاذ صحفيي الصحف الحزبية المغلقة؟.. بلاش وزارة التضامن.. حتى الحكومة، ما الذي يمكن أن يفعله رئيس الوزراء حتى لو اهتم ووضع الموضوع على أولوياته.. ونقله من جانب مكتبه الشمال إلى جنبه اليمين؟


لا شيء.. لا الحكومة ممكن أن تفعل شيئا.. ولا وزارة التضامن ممكن أن تسوي جديدا في صحف فتحت فجأة، والتحق بها صحفيون، ثم أغلقت فجأة، فأغلقت التأمينات ملفاتهم.. قبل أن يعد عمنا نقيب الصحفيين يحيى قلاش بالحل.

كيف الحل؟.. ومن أين؟

الحلول ليست لدى الحكومة.. الحلول لدى النقابة، لكن النقابة لا ترى.

قبل سنوات، اعتبر نشطاء المهنة، أن التضييق على إصدار الصحف تضييقا على حريات الصحفيين وحريات الرأي وحرية الصحافة وحرية الإبداع وحرية نقل الأخبار ومليون حرية مما تعدون.

وقتها طالبوا بتأسيس الصحف بالإخطار.. ومن المنطق نفسه، اعتبروا، وقتها أيضا، أن التضييق على تأسيس الأحزاب تضييق على الحياة الحزبية، والطموحات الحزبية، والآمال السياسية.. وكان مطلبا ثوريا بعد يناير تأسيس الأحزاب بالإخطار، مثل الصحف.. وقد كان.

بعد يناير فتحت صحف بالإخطار، وتأسست أحزاب بالإخطار، يعني قمة الثورية والحرية.. فما كان إلا أن باع أصحاب تلك الصحف عضوية النقابة بخمسين ألف جنيه، وأسست الأحزاب تحت "بير السلم" - على حد وصف جورج إسحاق - ذات مرة "بيني وبينه".

حسابات كثيرة في الماضي كانت خاطئة.. أو حالمة، أو مثالية زيادة عن اللزوم.. لكن بدلا من أن النقابة تحاول إيجاد حلول جذرية، وتعالج المشكلة من عندها، راح عمنا نقيب الصحفيين يطلب مساعدة الحكومة، ويطالبها بالتصرف لإنقاذ الصحفيين.

طيب نفرض أن الدكتورة غادة والي، حلت مشاكل العشرات من زملاء الصحف التي أغلقت النهارده؟.. افرض أن المهندس إبراهيم محلب "دعك الفانوس"، فطلع له مارد علاء الدين، وضبط مشاكل اليومين دول.. من يضمن حلولا أخرى لمليون مشكلة مشابهة في الطريق، ومليون كارثة على الأبواب.. لأن مصدر الفيروس موجود.. وأم القيح مازالت غائرة في الدمل.

لن أقولك التقييد.. إنما دعنا نقول إن عودة "الضوابط الصارمة" لتأسيس الصحف أمر لا مفر منه.. أمر لا غنى عنه.. عودة "ضوابط شديدة الصرامة" هي الحل لمنع التلاعب بحريات، لم نستفد منها جيدا.. الحل لوأد تداعيات إيماننا بشعارات لم نحسن التعامل معها، بقدر ما استطعنا الاسترزاق منها.. فكون بعضنا ثروات في صفقات أشبه بصفقات السوبر ماركت.. وبياعين الخضار.

لا بد من الاعتراف بأننا لم نستفد جيدا من الحريات.. لم نتعامل باحترام مع التساهل.. دعنا نعترف بأننا لم نحترم كيف نكون أحرارا، لذلك وبسبب التساهل القانوني في تأسيس الصحف، ظهر بين أعضاء النقابة سكرتيرات.. وربات بيوت، وعارضات أزياء وبائعات في محال لم يعملن بالصحافة من قبل.. بعضهم باع كارنيه النقابة بمائة ألف جنيه بالتقسيط.. وآخرون أدمنوا تأهيل أقارب زوجاتهم للعضوية بالتقسيط على سنتين، ثم أغلقوا صحفهم وفص ملح وداب.

أما الذي سقط في الوحل، فهي النقابة.. الذي وعد بالحل هو نقيب الصحفيين.. لم يعد أمام النقابة إلا أن يبحث عن طريقة لضمان مستقبل هؤلاء!!

ولو أن الشيء بالشيء يذكر.. كان رد فعل النقابة في أزمة إغلاق جريدة التحرير مبهما.. وغريبا.. وغير مبرر. قال عمنا يحيى قلاش إن مجلس النقابة منعقد حتى حل الأزمة.. لم يكن واضحا ما هي حدود الحل المتوقع؟.. رجل أعمال اشترى جريدة، ثم قرر إغلاق الجريدة؛ لأن الخسائر بالملايين.. ما الذي يمكن أن تفعله الدولة إزاء هذا الوضع؟

لا شيء.. لا الدولة ولا الوزارة ولا النقابة ولا يحزنون.

فتحة النفق الأخرى ليست لدى أكمل قرطام، ولا لدى صلاح دياب ولا لدى وزيرة التضامن، أو رئيس الوزراء.. فتحة النفق الثانية لدى نقابة الصحفيين.. مزيد من ضوابط أكثر صرامة على تأسيس الصحف مطلوبة.. آن الأوان لمزيد من القواعد التي لا تجعل كل من هب ودب صاحب جريدة، ولا كل من أراد استغلال رخصة جرنال من حزب ينجح ويمر.. ثم آدي وش الضيف.

لا حلول حقيقية.. طول ما استطاع كل من أراد أن يستغل القانون "الثوري" في أن يقلب المهنة بالبطاقة من "بائع سريح".. لـ"صاحب جريدة"!!

Twitter: @wtoughan
wtoughan@hotmail.com
الجريدة الرسمية