رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

العروبة التي أغرقتنا جميعًا!


1
لم يبلغ الطفل السوري " آلان " غايته في النجاة من مصير أسود لازمه منذ ولادته قبل خمس سنوات وسط الأشلاء وأصوات المدافع والانفجارات.. فانهار وأسلم روحه على وسادة من أمواج الموت.. واختار لنهايته "نومه" ملائكية فأعطى إحدى دفتي وجهه لباطن الشاطئ.. والأخرى رسم عليها اعتراضا بائسا سيظل يُمطر قاذفاتٍ من العار على العرب والعروبة.. لتظل تلعنهم أبد الدهر!


وأنت تستعرض تفاصيل القضية التي هزت الرأي العام العالمي جنبًا إلى جنب مع صور البطش المخزية بالعائلات السورية والتحرش بهم حتى على قضبان القطارات.. لن يمكنك أن تلوم الموقف الدولي من قضية اللاجئين والتي ترفض أوربا وغالبية بلاد العالم تحمُل فاتورة صراعات عرقية ودينية مدمرة لا يبدو أنها ستنتهي بين أبناء البلد الواحد والدين الواحد.. بنفس القدر الذي يجعلك ناقما على رد الفعل العربي المُخجل.. الذي يتجه بالقضية إلى نفس مصير كل قضايا الصراع التي خاضتها الأمة العربية.. وكانت المحصلة النهائية لا تبتعد كثيرا عن ما وصلت إليه الأزمة السورية.

صار من الثوابت أن العرب لا يتعلمون من الماضي.. ولا حتى من دروس أقرب التجارب إليهم في محيطهم الإقليمي.. فهم دائما في حالة من اللامعقولية لا تعرف لماذا يقررون الدخول في معركة ما.. ولماذا يتركونها كما هي حتى تتصفيّ من تلقاء نفسها.. وليس مهما لديهم الوسيلة والنتيجة !

2
في كتابه ـ تجارب حركات التحرير الأفريقية ـ يستعرض الدكتور إبراهيم أحمد نصر الدين الحقيقة المُحزنة لمسارات الأزمات العربية بالمقارنة مع ـ الدول الأفريقية ـ التي خاضت حروبا شرسة منذ ستينات القرن الماضي عبر منظمة الوحدة الأفريقية.. والتي حددت لنفسها هدفين واضحين وهما تحرير القارة الأفريقية من كافة أشكال النظم العنصرية والاستعمارية وتحقيق التنمية الاقتصادية فيها
.. وهو ما تحقق بشكل شبه كامل عبر نضال استمر حتى بداية التسعينات من القرن الماضي.

وبالرغم من عدم اكتمال أهداف التنمية في أفريقيا حتى الآن لأسباب مختلفة.. ولكنك باستعراض التجارب ستجد أن.الأفارقة ـ نجحوا على الأقل في إزالة الاستيطان من أراضيهم.. وعلي سبيل المثال وليس الحصر في أنجولا وموزمبيق وغينا بيساو وجزر الرأس الأخضر وجنوب أفريقيا واريتريا.. وذلك بدعم مباشر من "منظمة الوحدة الأفريقية" لحركات التحرر الداخلية لهذه البلدان!

في حين أن ـ العرب ـ الأشاوس لم يكن أمامهم في ستون عامًا وأكثر إلا القضية الفلسطينية وحدها.. ولكنهم عجزوا وعجزت معهم ـ جامعة الدول العربية ـ عجزًا مهينًا عن تصفية الكيان الصهيوني الاستعماري منذ بداية نشأتها في أربعينيات القرن الماضي حتى الآن.. ولم يدخل العرب قضية أو تسوية إلا وفشلوا فيها فشل ذريع.. حتى محاكاة الأفارقة فشلوا فيها !

فجنوب أفريقيا التي اعُتبرت في زمنٍ سابق من أكثر البلدان إثارة للنزاعات العرقية حتى أنها كانت تسير في اتجاه نهائي لإقامة دولتين " للسود والبيض".. استفاقت سريعًا وبتوسيع دوائر النقاشات الوطنية اتفقت الأطياف المختلفة على إقامة الدولة الموحدة المدنية الديمقراطية.

وأصبحت جنوب أفريقيا الآن من التجارب التي يستشهد بها العالم في كيفية التغلب على الصراعات.. في حين أن العرب جميعا دعموا منظمة التحرير الفلسطينية منذ ستينات القرن الماضي تحت شعار ـ دولة فلسطينية ـ يعيش فيها الجميع على قدم المساواة.. لكن تراجعوا سريعًا.. وصارت المطالب العربية تتلخص في المناداة "بحل الدولتين" فلسطينية وإسرائيلية !

ووجدنا بالفعل الدولة الإسرائيلية تقوم وتزدهر.. والدولة الفلسطينية لا وجود لها.. وزاد الطين بله بالصراع المرير على السلطة بين حماس وفتح والذي يدعمه بقوة بعض البلدان العربية !

وجاء تعقد القضية السورية على هذا النحو ليعزز لدينا انطباعات كارثية عن جينات العروبة التي ستغرقنا جميعًا في مستنقعات الفشل المتواصل على كل المستويات !

فالأزمة التي اشتعلت في 2011 عمل العرب على حلها بنهجٍ غريب اتبعته غالبية الدول العربية سواء بتشجيع المعارضة على حمل السلاح.. أو بالدعم المستتر من بعض الدول لـ"داعش والنصرة"إما رغبة في الانتقام من النظام السوري على خلفية خلافات قديمة.. أو برغبة حمقاء في تسوية القضية على طريقة الدبة التي قتلت صاحبها.. فأضحت النتيجة مئات الآلاف من القتلي.. وضعفهم من اللاجئين.. وعار يحاصرنا للنهاية !

Advertisements
الجريدة الرسمية