رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

التضليل الإيراني بالقوة الناعمة


اعتاد صناع "الفن السابع" في إيران، على الترويج لأعمالهم قبل الشروع بتنفيذها، مرورا بالتصوير حتى اكتمال إنجازها وقرب عرضها في المهرجانات العالمية أو حتى في دور السينما المحلية.. لكن هذا كله لم يحدث مع فيلم "محمد رسول الله"؛ حيث اكتفى فريقه بالإعلان عن تحضير العمل.

ومع غضب الأزهر الشريف والسعودية؛ لعدم جواز تجسيد الرسل والأنبياء والصحابة وآل البيت، توارت تفاصيل الفيلم، حتى أطل المخرج مجيد مجيدي، للحديث عن الفيلم وبدء عرضه في 143 دار سينما إيرانية، بالتزامن مع العرض في افتتاح مهرجان "مونتريال"، حتى يرى العالم الإنجاز السينمائي والتسامح الإيراني تجاه الأديان الأخرى، فضلا عن البحث عن موزعين في أوربا وأمريكا.

لا يمنع المذهب الشيعي الذي تعتنقه إيران، تجسيد الأنبياء والرسل، ولا يجد غضاضة في ذلك، وقد جسدت أعمالهم الدرامية لاسيما التليفزيونية، الأنبياء والصحابة وآل البيت، وهنا أتذكر ما حدث في شهر رمضان قبل خمس سنوات، عندما عرضت إيران مسلسلا عن حياة المسيح عليه السلام، ولم توافق على عرضه الفضائيات العربية باستثناء "المنار"، العائدة إلى "حزب الله" و"nbn" العائدة لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، باعتبار الولاء لإيران، ومع ذلك اضطرت كل منهما إلى إيقاف عرض المسلسل منذ الحلقات الأولى، تحت الضغط الشعبي والديني؛ لأن العمل يتضمن أخطاء ومخالفات جسيمة تتعارض مع الثوابت المسيحية، ما قد يتسبب في فتنة.

عندما قرأت تصريحات المخرج مجيدي، واستغرابه من اعتراض السعودية والأزهر على الفيلم، ومطالبته المعترضين بمشاهدة الفيلم لتبديد المخاوف؛ إذ قال إن "الفيلم يجسد شخصية رسول الله محمد، لكن مع استخدام مؤثرات تخفي الوجه، ولا يظهر من الممثل سوى الجسد بملابس بيضاء، وفي مشاهد كثيرة يكتفي بظل الجسد".. أدركت عندها أن ما تريده إيران فعليا أن يعرف العالم أنها دولة متسامحة مع الأديان الأخرى، ودولة وسطية تبيح تجسيد الأنبياء والرسل تماما مثل أوربا وأمريكا، وأن غيرها ممن يتحدثون عن الوسطية هم أصل التشدد، أي السعودية والأزهر!!.. كما ترغب في الإيحاء للغرب بأنه كان على خطأ، عندما فرض عليها عقوبات واتهمها بالتشدد ودعم الإرهاب.

الحقيقة التي تأبى إيران والشيعة الاعتراف بها، أن تجسيد الأنبياء والرسل محظور شرعا؛ لاعتبارات قدسية شخصياتهم، وحتى لا يرتبط الرسول في أذهان الجيل الجديد بشكل وشخص الممثل الذي جسد دوره، وهنا مكمن الخطورة؛ لأن الممثل سيؤدي فيما بعد أدوارا مختلفة منها السكير والعربيد وزير النساء، ومشاهد لا تتسق مع شخصية النبي التي جسدها في السابق.

أبعدت إيران أخبار الفيلم عن الأضواء وهي تعمل عليه في سرية، وأنفقت عليه ببذخ ليصبح الأعلى ميزانية في تاريخ السينما الإيرانية.. وحتى تستغله سياسيا لتحقيق أهدافها، قام الولي الفقيه علي خامنئي بزيارة موقع التصوير، ليدرك صناع الفيلم أهميته القصوى للدولة.. إذن الهدف لم يكن تغيير الصورة المغلوطة عن الإسلام وإبعاد تهمة الكراهية والإرهاب عنه.. بقدر سعي الدولة لاستغلال القوة الناعمة ممثلة في السينما؛ لتضليل العالم والتأثير على الغرب وتغيير قناعتهم عن إيران بشكل غير مباشر، لاسيما أن السينما الإيرانية تحظى بإعجاب واحترام العالم؛ لما تتمتع به من خصوصية ومشهدية ساحرة ومضمون بسيط لكنه عميق في الوقت نفسه.

فطنت إيران الفارسية لأهمية السينما والفن عموما كقوة ناعمة تقود الأمم، وعملت على إيجاد بصمة وصورة تميزها عالميا.. فيما فشلنا نحن رغم تاريخنا الطويل في هذا المضمار، وانحصرت أفلامنا في البلطجة والرقص والتفاهة، وهنا يأتي دور الدولة لدعم المتميز من الفنانين ومنع الرديء، وبدء ثورة فنية تكون ظهيرا للدولة التي تنهض في مجالات كثيرة، ويسحبها الفن والإعلام عنوة إلى الوراء.
Advertisements
الجريدة الرسمية